– يمكن للبعض أن يقول بأن لا جدوى في البحث عن الأسباب بعد الوصول إلى النتيجة المرتجاة وهي حالة الوئام التي حصلت بين الدولتين المحوريتين في المنطقة وهي الجمهورية الإسلامية في إيران والمملكة العربية السعودية، ويمكن للبعض الآخر أن يقول بعدم جواز نكأ الجراح بعد تجاوز الحقبة السوداء من استعمال كافة الوسائل لدى كل من الطرفين السعودي والإيراني لتقويض سلطة الآخر؛ لكن قراءة الأسباب التي أدّت إلى هذه النتيجة ومعرفة العوامل التى أوصلت الطرفين إلى القناعة بضرورة السير في إتجاه التصالح والتخلي عن منهج التصادم الذي كان سائداً منذ أكثر من ٤٠ عاماً أمر ضروري فعلاً كي تأخذ منه الأجيال العِبر ولا تقع في نفس الفخ مرة أخرى، لأن الثمن الذي دفعته الأمة الإسلامية كان غالياً جداً وبحار من الدماء سالت على الأرض الإسلامية وأرواح زُهقت وأعراض هُتكت، خاصة أن إيران دفعت في هذه المعركة أكثر الأثمان حيث قتل أكثر من ٤٠٠ من الحجاج الإيرانيين في العام ١٩٨٧ وفي جوار بيت الله الحرام على يد القوات السعودية، ومات لها أكثر من ٤٦٤ مواطناً في منى العام ٢٠١٥ إثر التساهل في تنظيم حركة الحجاج يوم عيد الأضحى، وسقط لها أكثر من ٢٠ حاجاً في المسجد الحرام نتيجة وقوع الرافعة في العام نفسه من دون أن تفعل الحكومة السعودية شيئاً، بل وكان من الجانب السعودي الشماتة، ووصلت الجرأة إلى حد محاولة اعتداء موظف في مطار جدة على صبي إيراني قدم لأداء فريضة الحج بحجة التفتيش الجسدي وتأكد السلطات المعنية من حقيقة الامر واعتقال الموظف وسوقه إلى المحكمة لكنه خرج من دون عقاب.
– هذا على الصعيد الداخلي، فيما المعركة التي شنتها السعودية على إيران ومن خلالها على الشيعة في أنحاء العالم كانت شاملة بكل معنى الكلمة حيث استعملت فيها جميع الوسائل والأدوات والمفردات، وتمّ تجييش كل العناصر والرموز والأشخاص والمجموعات والمؤسسات الدينية والسياسية والثقافية ضد إيران وعبرها ضد الشيعة كمذهب من المذاهب الإسلامية المعترف بها رسمياً من جامعة الأزهر، حيث الأزهر هو المركز الفقهي التاريخي للمذاهب الإسلامية الأربعة، – ومن خلال التجييش والتعبئة العدائية السعودية انطلق المتحمسون ” الشائقون للقاء الرسول صلى الله عليه واله ” بتقديم أرواحهم في سبيل قتل أكبر عدد من الشيعة حيثما كانوا سواء كانوا في المزارات الدينية أو في صلوات الجماعة والجمعة أو في الأسواق الشعبية أو على الطرقات العامة، ولم يقتصر الأمر على التابعية السعودية وهم الأكثر عدداً بل تهافت على الفوز بـ ” جنان الخلد ” من مختلف التابعيات ومن كافة الفئات، وأُعلن بكل صراحة أنه ستُنقل الحرب إلى داخل إيران، وفعلاً تحركت العناصر المتأثرة بالفكر الوهابي بعمليات إرهابية عديدة في مدن إيرانية سقط فيها مصلون وزوار لمقامات أهل بيت النبي صلى الله عليه واله ومواطنون عاديون.
– وفي اليمن أيضاً شُنّت الحرب بدعوى مواجهة التدخل الإيراني فيه، واستمرت الحرب ٨ سنوات ولم تتوقف حتى الآن.
– وفي سوريا تواطأت أغلب الدول العربية ومعها الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية لإسقاط الحكم القائم بدعوى مواجهة التوسع الإيراني، وتم استعمال الأموال بدون حساب والأسلحة من دون تحديد، واستُقدم المقاتلون من كافة أقطار الأرض، وكان الآمل أن يتم القضاء على النظام السوري خلال أيام معدودة.
– لكن مع مرور الأيام وتعاقب السنين وحصول تطورات وتغيّر الوقائع على الأرض تبين للجميع أن لا النظام في إيران تزعزع، ولا الحوثيين في اليمن انهاروا، ولا النظام في سوريا سقط، ولا الولايات المتحدة التي ابتزت الدول الثرية الأموال الطائلة بذريعة مواجهة إيران وحماية دول الخليج فعلت شيئاً، بل رأوا أن الرؤساء الأمريكيين جمهوريين كانوا أو ديمقراطيين يطلبون ودّ إيران بأي ثمن، حتى أن الرئيس الأهوج دونالد ترامب والذي راهن الكثيرون عليه للدخول في مواجهة مع طهران بالنيابة عن دول المنطقة فقد وصل به الأمر إلى الإعلان رسمياً بأنه قد وضع رقم هاتفه الخاص بتصرف قسم رعاية المصالح الأمريكية في العاصمة الإيرانية بانتظار أن يهاتفه أحد المسؤولين فيها على أي مستوى كان، لكن مرّت الأشهر والأعوام وغادر ترامب البيت الأبيض ولم يرنّ هاتفه ذلك أبداً.
– إذن بعد العديد من الإشارات الواضحة والمواقف الصريحة اتضح لقادة الدول في المنطقة أن لا مناص من التعامل الودّي مع الجمهورية الإسلامية، والتواصل معها بصورة مباشرة، وعدم الرهان على الأساطيل والمدمرات والعنتريات الفارغة للقاطنين في البيت الأبيض، وهذا ما دعونا إليه مراراً وتكراراً، وكانت نتيجة القراءات ومراجعة الملفات والتعمق في تحليل السياسة الأمريكية والغربية أن كان القرار الصائب لقيادة المملكة العربية السعودية بالتحول وبصورة مفاجئة نحو طيّ صفحة الماضي الأسود والتخلي عن استعمال الخطابات التكفيرية والتوقف عن شحن النفوس بالعقائد العدائية، والإنطلاق بلغة المحبة والإعتدال والعمل على لمّ الشمل وقبول الوقائع الجديدة كما هي اليوم بعد فشل كافة محاولات تغييرها، وهنا وقفت الحرب الضروس في اليمن، وبدأ التوجه نحو التعامل بواقعية مع الحوثيين بعيداً عن أي اتهام بالإرهاب والتبعية، والقبول أيضاً بالحكم القائم في سوريا من دون أي تردد أو شروط، والقبول بواقع النفوذ الإيراني الواسع في المنطقة من دون أي تعامي وتنكّر؛ وبدأت المنطقة كلها تشمّ رائحة النسيم التي تُنعش القلوب، وصار السوري والسعودي والتركي والعراقي والإيراني والقطري والحوثي والبحريني والإماراتي والعماني والكويتي وغيرهم يتصافحون ويتعانقون ويتبادلون كلمات تفوح منها رائحة الورد ومضامين الودّ، ويتنفس الصعداء الذين كانوا حتى الأمس القريب يوجهون لبعضهم أقسى العبارات ويرمون إخوانهم في الدين والدم بأقبح الشتائم، إذ طُويت الصفحة السوداء تلك، وتوقفت تلك الأقلام، وسكتت تلك الأصوات، وعادت المنابر في المساجد إلى رسالتها الأساسية وهي الدعوة إلى الأخوة الإسلامية والنهي عن التفرق والحضّ على الإعتصام بحبل الله سبحانه وتعالى.
– إننا نبارك هذا المنحى، ونشدّ على أيدي السائرين في خط الوحدة والوئام، وندعو إلى التحوط من الشيطان الرجيم وأوليائه من الجن والإنس الذين لا يروق لهم وحدة الصف الإسلامي هذا، ونذكّر الجميع بأن آخر سورة في كتاب الله المجيد قد خُصص في الإستعاذة بالله من وساوس الشياطين وذلك بقوله ؛ { بسم الله الرحمن الرحيم، قل أعوذ برب الناس، ملك الناس، إله الناس، من شرّ الوسواس الخنّاس الذي يوسوس في صدور الناس، من الجِنّة والناس } صدق الله العلي العظيم.
– السيد صادق الموسوي