#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية
– يُعَدُّ التوحيد أصل أصولِ الدينِ؛ إذ إنَّها إليهِ تعودُ ومنه تتفرعُ، ومن هُنا أكدَّتْ عليهِ جميعُ الشرائعِ السماويةِ.
– ينقسم التوحيدُ -حسبما درجَتْ عليهِ كتبُ العقائدِ – إلى أقسامٍ ثلاث :
– التوحيد الذاتي ، التوحيد الصفاتي ، والتوحيد الأفعالي .
ولمّا لا يسعُ المقامُ للتعرّضِ إليها جميعًا نقتصرُ في حديثِنا على التوحيدِ الذاتي فقط.
– للتوحيد الذاتي معنيان :
– التوحيدُ الأحدي، ويتلخصُ بإثباتِ بساطة الباري (جلَّ وعلا) ونفي التركيبِ عنهُ، فلو لم يكنِ اللهُ تعالى أحديًا، لاستلزم أن يكونَ مركبًا، ولو كان كذلك لاحتاج إلى أجزائهِ، والاحتياجُ نقصٌ، واللهُ سبحانَهُ كمالٌ محضٌ، بل ومنبعُ كلِّ كمالٍ، فيثبتُ أنَّهُ (جلَّ في علاه) أحدٌ لا يتجزأ.
– بالإضافة إلى الدليلِ العقليّ المتقدم، فقد أثبت النقلُ هو الآخر أحديته سبحانه، قال تعالى: “قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ” (الإخلاص1)، ورويَ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: “لا ينقسمُ في وجودٍ ولا عقلٍ ولا وهمٍ” (1).
– لقد أثبتَ القرآنُ الكريمُ أحديتَهُ (جلّ وعلا)، فيما نفى أميرُ المؤمنين (عليه السلام) عنه سبحانَه كل أنواعِ التركيبِ: المادي والوهمي والعقلي، إذ إنَّ الوجودَ قد ينقسمُ إلى أجزائهِ الماديةِ في الخارجِ، كتحلُّلِ الماءِ إلى أوكسجين وهيدروجين. وقد ينقسمُ في الوهمِ (كانقسام قطعةِ الخشب إلى النصفين في التصور) (2). وقد ينقسم انقسامًا عقليًا كانقسام الإنسانيةِ إلى جزأين: ما بهِ الاشتراك: الحيوانية، وما بهِ الامتياز: الناطقية. وتعالى الله عن كل ذلك علوًّا كبيرًا.
– وأما المعنى الثاني للتوحيد الذاتي فهو التوحيدُ الواحديّ :
– ويتلخصُ في نفي الكثرةِ العدديةِ عنه تعالى، أيّ إنّهُ سبحانَه واحدٌ لا شريكَ له؛ لأنَه لو كانَ لهُ سبحانَهُ شريكٌ للزِمَ أن يكونَ كلٌّ منهُما مركباً من: ما بهِ اشتراكهما معًا كالألوهيةِ مثلًا، وما به امتياز كلٍّ منهُما عنِ الآخرِ ليكونا اثنينِ متمايزينِ. ويلزمُ من ذلكَ أنْ يكونَ سبحانَهُ مركبًا، وقدْ تقدَّمَ تنزهه عن ذلك؛ لاستلزامِهِ نسبةَ النقصِ إليهِ سبحانه واحتياجَهُ إلى أجزائهِ، وهو الغنيُّ المطلقُ، وبذا يثبتُ تنزهه (جلَّ وعلا) عن وجودِ الشريكِ ، بالإضافةِ إلى الدليلِ العقليّ فقد أثبتت الأدلّةُ الشرعيةُ ذلك، كما في قوله تعالى: “وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ” (البقرة 163).
– علماً أن الوحدةَ هُنا ليستْ بمعنى الوحدةِ العدديةِ التي ينتهي فيها الواحدُ عندَ حدٍ فيبدأُ الثاني لينتهيَ عندَ حدٍ وهكذا، بل بمعنى أنَّ اللهَ تعالى واحدٌ بالوحدةِ الحقيقيةِ الحقّةِ التي يكونُ الواحدُ فيها واحدًا لا نهايةَ لهُ، وبالتالي لا يقبلُ الثاني قطّ.
– وقد رويَ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) -في ردِّه على أعرابيّ سألَه- قائلًا: “يا أعرابي، إنَّ القولَ في أنَّ الربَّ واحدٌ على أربعةِ أقسامٍ: فوجهانِ منها لا يجوزان على اللهِ عز وجل ووجهانِ يثبتان فيه، فأما اللذانِ لا يجوزانِ عليه فقولُ القائلِ “واحد” يريدُ بهِ بابَ الأعدادِ فهذا ما لا يجوزُ؛ لأن ما لا ثانيَ لهُ لا يدخلُ في بابِ الأعدادِ” (3)
– ويترتبُ على التوحيدِ الذاتيَ ثمارٌ أهمها: اثباتُ عدم محدوديةِ الحقّ سبحانَه وعدم تناهيهِ؛ لأنَّ وحدتَه الحقيقية الحقّة تأبى أن يتقدّمَه أو يخلفه وجود، فهو الأول لا أوليةَ لأوليتهِ وهو الآخِرُ لا آخِرَ لآخريتهِ، بالإضافةِ إلى ترتُّبِ ثمرة نفيِّ التثليثِ عنه سبحانَهُ؛ لِما ثبتَ أنّهُ لا مثيلَ لهُ ولا شريك من جِهةٍ، ولأنَّه ليسَ بمركبٍ ولا جُزءَ لهُ من جِهةٍ أخرى.
– (1) التوحيد للصدوق، ص 85
– (2) المصدر السابق
– (3) شرح أصول الكافي ج7 ص 256 و257