– أصبح شائعاً على الصعيد العالمي الإهتمام بموضوع العلاقة الجنسية بين اثنين من جنس واحد، فالذكر أصبح يقيم حفل زواج مع الذكر بصورة علنية، والأنثى تقيم حفل زفاف فاخر مع الأنثى وتدعو له جمعاً غفيرا، وقد قامت كثير من الدول بتشريع قوانين تجيز هذا النوع من الإرتباط بين بني البشر، بل وأصبح هذا الأمر وكأنه جزء من الواقع الطبيعي لبعض الدول حيث الملك ورئيس الدولة ورئيس الوزراء والوزير لهم أزواج من جنسهم ورئيسة الوزراء والوزراء في بعض الدول لهن زوجات من جنسهن أيضاً، بل وصار الترويج لهذا النوع من العلاقة جزءاً من التعليم الإبتدائي في بعض المدارس في عدد من الدول الأوروبية.
– ولقد أصبح القبول بواقع المثلية أمراً اساسياً في سياسات بعض الدول حيث ربطت إقامة العلاقة أو تطويرها مع هذه الدولة وتلك منوطة بموقفها من الجماعات المثلية، حتى أن سفارات تابعة لبعض الدول صارت ترفع عَلَم المثليين على سواريها إلى جانب أعلام دولها.
– وكادت قضية المثليين أن تتسبب بأزمة كبيرة في مونديال قطر ٢٠٢٢ بسبب إصرار بعض الفرق على ارتياد شارة المثليين وكذلك المطالبة برفع عَلَم المثليين في الملاعب هناك، ورفض السلطات القطرية ذلك الأمر ما أدى إلى تداول عدد من مواقع التواصل خبراً عن إخراج وزيرة الداخلية الألمانية من قطر وذلك بسبب ارتدائها شارة المثليين تأييداً لهم ودعماً لموقفهم.
– إن واقع اختلاف تركيب الجسد بين الجنسين الذكر والأنثى أمر لا اختلاف فيه، فهذا يظهر منذ بدايات تكوّن الجنين في بطن أمه، حيث بعض الأعضاء في داخل الجسد وخارجه تتكون في الجنين الذكر وهي لا تتكوّن في الأنثى أصلاً والعكس صحيح، وتوجد هرمونات في تركيبة جسد الذكر تختلف عما في جسد الأنثى، بل وتركيبة حليب الأم التي تَلِد الطفل المذكر تختلف عن حليب المولود المؤنث، وهذا ما لا يمكن لأحد التشكيك فيه أو الترديد في قبوله.
– ثم إن طريقة نموّ جسد الذكر في مختلف المراحل تختلف عن الأنثى ونشاط الهرمونات في كل من الجنسين يختلف بشكل كامل، فبصيلات الشعر مثلاً مختلفة لدى كل من الذكر والأنثى، وشكل العمود الفقري عندهما مختلف أيضاً، والعادة الشهرية خاصة بالأنثى وفي عمر معين ولا إمكانية لوجود ذلك في الذكر أصلاً، وكثير من الفوارق لا مجال لبيان تفصيلها هنا.
– ثم إن الوظائف التكوينية لكل من الجنسين تختلف حيث الذكر يُطلق سائلاً عند المعاشرة لتلتقي مع ما تُفرزه الأنثى، ومن خلال ذلك التلاقح يتكون الجنين في بطن الأنثى وينمو حتى يصبح كامل الجوارح بعد ٩ أشهر وأكثر، ثم يأتي الطلق والولادة، وفي هذه المراحل كلها لا حضور ولا تأثير لجنس الذكر نهائياً، ولا خيار حتى للأنثى نفسها لأن التحولات في نموّ الجنين في بطنها تسير بحسب النظام المرسوم لها تكويناً.
– ولمتطلبات تربية المولود هناك تهيئات تكوينية أيضاً في جسد الأنثى من قبيل الثدي النافر ودرّ الحليب منه بعد ولادة الطفل وليس قبله، وهذه الوظيفة تتطلب استعداداً نفسياً للقيام بها، فشدة العلاقة العاطفية من جانب المرأة هي التي تجعلها تحنّ على المولود وتتحمل كثيراً من الصعاب في سبيل رعاية الطفل وتربيته، وهذا ما لا يوجد في جنس الذكر بسبب عدم وجود الأعضاء المكلفة بالتغذية لديه ومن ثم عدم ضرورة حصول الرعاية من جانبه، ويشترك الإنسان في كثير من الوظائف التكوينية التي ذكرنا مع الحيوانات.
– ولا شك أن تهيئة متطلبات قيام كل من الذكر والأنثى بوظائفهما التكوينية واجب حتماً حيث تحتاج المرأة إلى استراحة بعد النفاس لعدة أيام، وهي تتغير قليلاً من الناحية النفسية والسلوكية في فترة العادة الشهرية، بل وهي تحتاج لاحتضان الرجل لها وحنانه فطرياً، بل والأنثى تشعر في ذاتها بتفوق الرجل عليها في القيام ببعض النشاطات التي تحتاج إلى عضلات قوية يفقدها جسد المرأة في الأغلب.
– كل هذا بعض ما في تركيبة الذكر والأنثى من بداية التقاء النطفتين حتى الوصول إلى مرحلة البلوغ الجنسي والنضوج العاطفي، وإن أي تلاعب بأي من وظائف الأعضاء التي تتكوّن مع أي من الجنسين يؤدي حتماً إلى اضطراب كيانهما بسبب التنسيق الدقيق الموجود بين مختلف أعضاء جسد كل من الجنسين، ومن ثم تعامل الهرمونات المكنونة في جيناتهما، وفي النتيجة حصول خلل في شخصية الجنسين وارتباك في سلوكهما.
– فالذكر الذي يقبل أن يتعامل معه الذكر الآخر كطرف متلقٍ لشهوته وهو مشابه له من حيث التكوين وبالنتيجة من حيث الرغبة الجنسية فإنه قد خرج عن شخصيته الذكورية، وكذلك الأنثى التي ترضى أن تمارس معها الأنثى الأخرى ممارسة – الذكر وهي تفقد متطلباتها، من الأعضاء التناسلية الطبيعية والاستعدادات النفسية التي ترافق الممارسة الجنسية لدى الطرفين فهذه الأنثى المتلقية كيف يمكن أن تشعر بالراحة واللذة في حين يتطلب كيانها طريقة أخرى لقضاء حاجتها وتأمين رغبتها.
– إن النتيجة الطبيعية للعلاقة المثلية لدى الجنسين هي في الدرجة الأولى تمرد على تركيبة كيان كل من الذكر والأنثى، ثم التلاعب بالوظائف المخولة لأعضاء كل من الجنسين، وأيضاً التدخل في المشاعر المتأتية بتأثير من اختلاف الكيانين في الجينة والهرمونات وتركيب الجسد واختلاف الأعضاء، وهذا ما يتسبب في خلل في التركيبة الإجتماعية للمجتمعات حيث التكاثر الطبيعي الناتج عن العلاقة المتعارف عليها بين الجنسين يتوقف بالكامل ويتجه كل من الرجل الزوج إلى اختيار طفل ليس من صلبه والإتيان به إلى منزله وتكليف الذكر الآخر القيام بأمر رعايته وتربيته كما تقوم الوالدة، وهكذا يجب أن تفعل الأنثى التي لا يمكنها الحصول على مولود من دون العلاقة مع الذكر فتكون الأنثى هي التي تمارس دور الأب والأخرى هي المسؤولة عن تربية ورعاية الطفل المستعار، وهيهات أن يكون الشعور والحنان تجاه الطفل المستعار كما هما بالنسبة للمولود من صلب الرجل ورحم المرأة.
– يمكن أن يقال بأن التطور العلمي قد تمكن من تغيير كثير من الخصائص لدى الجنسين عن طريق العمليات الجراحية واللقاحات وحقن الهرمونات في عدد من الحالات الخاصة لكن شيوع ثقافة المثلية بين بني البشر سيؤدي حتماً إلى مشكلة كبيرة في تعداد الأفراد، وسيخرب نمط العلاقة الطبيعية بين أعضاء الأسرة البشرية القائمة على العلاقات المنطقية والعواطف الصادقة، فالرجل عند ذاك يعيش في بيئة عائلية لا يمتّ إليها بصلة حقيقية، والمرأة أيضاً تعيش في أسرة لا تنتمى إليها حقيقة، والولد يخاطب من يقوم أو من تقوم برعايته باسم الأب والأم في وقت يرى الأم رجلاً آخر أو امرأة أخرى، وتصوروا كيف ستكون شخصية أفراد مجتمع مكوّن من هذه النوعية من الأشخاص ؟!.
– إن التعامل مع المثلية كواقع مقبول بل وتسويق له ومقونن من خلال تشريعات في عدد من الدول بدعوى الحرية الشخصية سيدمر البيئة الإنسانية وسيمسخ المشاعر الطبيعية وسيطيح بالقواعد الفطرية التي تُبنى عليها الشعوب والأمم والكيان الإنساني قاطبة، وهذا بمعزل عن التحريم في الشرائع السماوية كلها وتسببه بحلول غضب الله خالق الكون ومنظم قواعده والمشرف على حسن تطبيقها، حيث سبق أن شاعت المثلية الذكرية ( اللواط ) بين قوم في أيام النبي إبراهيم على نبينا وآله وعليهم السلام فأرسل إليهم الله رسولاً هو النبي لوط مهمته بعد الدعوة إلى عبادة الله تنحصر في النهي عن ممارسة هذا السلوك الشائن، وإنه بعد التمرد على دعوة رسول الله وإتمام الحجة عليهم فإن الله سبحانه دمر المدينة على رؤوس جميع أهلها وجعل عاليها سافلها وأهلك القوم أجمعين.
– وقد ذكر الله قصة قوم لوط في القرآن الكريم مرات عديدة وورد إسم النبي لوط الذي أوكل إليه أمر النهي عن العلاقة المثلية الشاذة حوالى ٣٠ مرة في كتاب الله ، ويأتي بعد ذكر قصة قوم لوط ومآلهم كل مرة التأكيد على وجوب أخذ العبرة من ذلك، لأن المعصية ذاتها ستكون نتيجتها غضب الخالق ونزول العذاب بعد اليأس من الإقلاع عن السلوك المتعارض أصلاً مع التركيبة البشرية، أما تشخيص وقت حلول الغضب الإلهي وطريقة إنزاله العذاب ومن يشمهلهم به ومن ينجو من العذاب فإنه يحددهما الله وحده، لكن الأمر المؤكد أن الذي فعلها في المرة الأولى لن يتردد في تكرار الفعلة إذا تشابهت المعصية وعمّت بين الناس وأبوا التخلي والإقلاع عنها والتوبة إلى رب العالمين والعودة إلى سلوك الطريق القويم والسير في الصراط المستقيم، وبعد ان تمّت الحجة عليهم بالوسائل المختلفة.
– ولقد شملت الآيات في سورة القمر: { كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ. إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ. نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ. وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ } الإشارة إلى تكذيب الناس للإنذارات المخففة لكي يقلع الشاذّون عن فعل المعصية ، ثم ذكر أنواع العذاب المتعددة التي شملتهم وهي ( الحاصب ) وهو الحجارة من سجّيل ، وأيضاً ( مطر السوء ) أي المطر الذي فيه عذاب ودمار، وأخيراً كان ( جعلنا عاليها سافلها ) ، ثم يُعقّب الله سبحانه بعد ذكر الواقعة هذه بقوله: { ولقد يسّرنا القرآن للذكر فهل من مُدّكر } ..؟
– إن تشابك العلاقة بين بني البشر أفراداً وجماعات وبين الكائن البشري من جهة ومختلف عناصر الطبيعة وتركيباتها من جهة أخرى لا يمكن التلاعب بها بحسب مزاج هذا وذاك، لأن التعرض لواحدة من الحلقات المترابطة سيؤثر قطعاً في نسق وتشابك العلاقة بين الأجزاء الأخرى للمنظومة كلها، وإن أدنى اختلال للنظام في جزء من أجزاء هذا العالم الواسع والمتناسق بدقة متناهية سيؤدي لا محالة إلى حدوث خلل في باقي الأجزاء على ذلك النطاق الواسع سواء بان للعيان ذلك الخلل أو أنه خفي عن الأنظار لكن تأثيراته ستنجلي بطريقة أو بأخرى عاجلاً أو آجلاً، لأن الله سبحانه يقول عن خلق الكون: { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لا عبين. ما خلقناهما إلاّ بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون } ، ولذلك فإن التقيد بما نظّمه الخالق اللطيف الخبير في الإنسان ووصله بما يدور في باقي أجزاء الخليقة هو الضمان للوصول إلى غاية المبتغى، والحفاظ على النسق الذي أوجده رب العالمين في مخلوقاته هو سبيل الأمان من التورط في المهالك، واتّباع تعاليم الخالق العليم هو الطريق إلى نيل السعادة والهناء، لان الله تعالى يخاطب الإنسان بقوله : { هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنّة في بطون أمهاتكم } ثم يؤكد بعبارة أخرى بقوله : { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون } ، ومتسائلاً بتعجب: { ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير } ، ومؤكداً على إشرافه الكامل على جميع أجزاء الخلق صغيرة وكبيرة وعلمه بكافة تحركاتها وتصرفاتها والتزامها جميعاً بطاعته وذلك بقوله: { وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلاّ هو ويعلم ما في البرّ والبحر وما تسقط من ورقة إلاّ يعلمها ولا حبّة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلاّ في كتاب مبين } .
– صدق الله العلي العظيم .
– السيد صادق الموسوي