شيعة الحسين يظلمون ثورة الحسين عليه السلام .. بقلم السيد صادق الموسوي

#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية

 

 

– لم تبدأ معركة الإمام الحسين سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسيد شباب أهل الجنة مع يزيد بن معاوية يوم العاشر من شهر محرم الحرام عام ٦١ هجري، بل كانت ذروة المواجهة هي التي وقعت على أرض كربلاء، لكن موقف رفض الإمام الحسين عليه السلام لبيعة يزيد بن معاوية كان في اللحظة الأولى لاستيلائه عنوة على السلطة بعد موت والده في شهر رجب من العام ٦٠ هجري، حيث أبى الإمام البيعة لما استدعاه والي المدينة الوليد بن عتبة في منتصف الليل وبعيداً عن أعين الناس طالباً منه ذلك ، ثم خرج الإمام الحسين عليه السلام من المدينة المنورة مع انبلاج صباح اليوم التالي متجهاً نحو مكة المكرمة في وقت كانت وفود الحجاج تصل تباعاً من كافة الأقطار ومختلف الأكناف، فاستغل الإمام الحسين عليه السلام توافد الحشود فبدأ ببيان الحقائق وفضح مكنون يزيد والذي لا يعترف بتاتاً بالإسلام كدين سماوي بل كان يردد : ” لعبت هاشم بالملك فلا خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل ” .
ومع اقتراب موسم الحج واكتمال الحشود والتفاف الناس حول بقية النبوة وسليل الرسالة كان الإحساس من قبل زبانية يزيد بالخطر الداهم، ولذلك كان القرار الحاسم بالتخلص منه بأي حال وبأي ثمن و ” قتل الحسين وإن كان متعلقاً بأستار الكعبة “ .
– هنا كان لزاماً على الحسين وهو الحريص على حفظ حرمة المسجد الحرام والمصرّ على تحاشي هتك حرمة الشهر الحرام لما علم بالخطة الخبيثة تلك أن يقرر مغادرة مكة يوم التروية قاصداً الكوفة التي أوفد إليها مسلم بن عقيل ممثلاً عنه استجابة لدعوات تحثه على القدوم إلى هناك ليقود انطلاقاً منها حركته الإصلاحية الثورية ضد السلطة الفاسدة الفاجرة.
– وكان من الطبيعي أن هذا الخروج وفي هذا التوقيت بالذات له وقع كبير في أوساط الحجيج، حيث تبعه الكثيرون من قاصدي الحج مفضّلين اتّباع الإمام الحق على أداء المناسك.
– والإمام عليه السلام لم يكتفِ بما فعله أثناء مُقامه في مكة قبل الموسم بل كان يسير على طريق القوافل وفي أوقات ترحالهم ليعلم الجميع بحركته، بل كان يستغل نزوله في المنازل الخاصة بالقوافل والإلتقاء بمن كان مسرعاً للوصول إلى مكة فيقوم ببيان حقائق الأمور وتوضيح واقع الأوضاع، فيتأثر الكثيرون فينقلون رحالهم إلى رحال الحسين عليه السلام وينضمون إلى موكبه ويلتحقون بركبه.
– ومع تقدم المسيرة وتعاظم الموكب واقترابه من الكوفة شعر يزيد بانفلات الأمور بالكامل من يده فاستعان بعبيد الله بن زياد الذي كان والياً له على البصرة والذي كان بطاشاً ولا يوجد في قلبه ذرة رحمة وطلب منه عمل أي شيء لوقف حركة الموكب الحسيني والحؤول دون وصوله إلى الكوفة، فاستجاب لطلب يزيد وتحرك ابن زياد مسرعاً ودخل الكوفة من باب يدخل إليه القادمون من جهة المدينة وهو متلثم، موهماً للناس أنه قادم من هناك، في وقت كان الناس ينتظرون بفارغ الصبر قدوم الحسين عليه السلام الذي أرسلوا اليه كتب البيعة بمئات الألوف من تلك الجهة، واحتشد الناس حوله مرحبين معتقدين أنه ابن رسول الله صلى الله عليه واله، وبقي ابن رياد يمشي بتؤدة ووقار متلثماً لا يُرى غير سواد عينيه والناس يحتفون به بشوق منقطع النظير، حتى وصل دار الإمارة وطرق الباب، فكان الوالي المختبئ هناك النعمان بن بشير يعتقد أيضاً بأن الطارق هو الحسين عليه السلام، فطلب منه من وراء الباب تركه وشأنه.
– هناك كشف ابن زياد اللثام عن وجهه وعرف الناس حقيقة الأمر فكانت الصدمة الكبرى للمحتفين في وقت ضمن ابن زياد لنفسه السلامة كونه بلغ دار الإمارة المحصنة.
– وفور وروده الدار شرع في العمل على بث الرعب بين الناس المصدومين في الأساس وترويج الإشاعات في صفوفهم والتلويح لهم بقرب قدوم عشرات الألوف من الجنود من طرف الشام، وفي نفس الوقت فقد قويت عزيمة المناصرين ليزيد الذين كانت قد خفتت أصواتهم قبل ذلك وانعزلوا في بيوتهم تحاشياً للإصطدام مع الموج الهادر الذي أوجده مسلم بن عقيل من المبايعين للإمام الحسين عليه السلام.
– ومع وصول الأخبار عن قرب وصول موكب الإمام الحسين إلى الكوفة قرر ابن زياد إرسال فرقة من الجنود للإشتباك معه في البيداء والحؤول دون بلوغه المنطقة الآهلة، وكانت القيادة لهذه الفرقة بيد الحرّ بن يزيد الرياحي الذي كان أول الملتحقين بالحسين يوم عاشوراء لما علم بحتمية نشوب الحرب ضد حبيب رسول الله صلى الله عليه واله الحسين عليه السلام ولما رأى نفسه مخيّراً بين الجنة والنار، لكنه لم يكن يتصور لما قاد الجنود بأن في الأفق احتمال معركة حقيقية، وكانت رؤيته للإمام مقرونة بالإحترام والتبجيل حيث ائتمّ هو وجميع من معه بالإمام في الصلاة، وحاول إيجاد حل وسط بين المهمة الموكلة إليه وهي الصدام مع الحسين بعيداً عن منطقة الكوفة وبين اقتراح الإمام السماح له بالعودة إلى المدينة لما تبين له تغيّر الحال في الكوفة، وتراجع أغلبية المبايعين له، ومقتل ممثله الخاص والأمين مسلم بن عقيل، فكان أن تم الإتفاق على النزول في أرض كربلاء حيث لا دخول إلى الكوفة ولا عودة إلى المدينة على أمل الوصول إلى حلّ بعد هدوء العاصفة، والحرّ بقي محافظاً على تعامله باحترام بالغ مع الإمام الحسين معتقداً أن الأمور ستنتهي من دون إراقة الدماء، لكن وصول عمر بن سعد إلى المنطقة في حشد من الجنود وقيادته مجموع المتواجدين هناك أضفى على الواقع لوناً صدامياً، رغم أن ابن سعد عمل على التلاعب ومحاولة تفتيت صف المناصرين للحسين عليه السلام حيث عرض صكوك الأمان على أبي الفضل العباس أخي الإمام الحسين بغية تفريق جمع الإمام وإضعاف إرادته كي يضطر في آخر الأمر إلى بيعة يزيد، لكنه فشل في الخطوة الأولى ولم يتردد أحد من أهل بيته ولا الأنصار ممن عاهدوا الإمام على النصرة في البقاء وفياً له واستعداده لبذل الروح ومنع وصول أي أذى للحسين السبط وفيه عِرق ينبض، وأيضاً لم يتردد الإمام في الثبات على موقفه والإستمرار في ثورته ضد الطاغية يزيد حتى الواقعة يوم العاشر من المحرم من عام ٦١ هجري.
– وهناك جرى في حق آل بيت رسول الله صلى الله عليه واله ما لا يقبله ضمير أي إنسان إلى أي دين أو معتقد انتمى وأية ثقافة ومبدأ حمل.
– إنتهت المواجهة الدامية بعد ظهر يوم العاشر من المحرم، وظن يزيد وعبيد الله أن ملف المعارضة التي تجسدت في الحسين عليه السلام وأصحابه قد تمّ القضاء عليها كلياً، وعمل على الإستفادة من المعركة العسكرية الناجحة وشنّ حرب نفسية من خلال أخذ من تبقى من نساء وأطفال سبايا في أسوأ صورة، حاسري الرأس، مصفّدين بالأغلال، إلى الكوفة حيث مهدُ المناصرين لعلي أمير المؤمنين والذين كانوا يتلهفون للسير خلف ولده الحسين عليه السلام مبايعينه على المضي تحت قيادته، ثم إرسال السبايا المنهكين من الكوفة صوب الشام ليحتفل بالنصر المؤزر يزيد بن معاوية ، وهو كان قد استعد لذلك بتزيين شوارع المدينة وأزقتها، وتهيئة الرأي العام إعلامياً للتفاعل معه على أساس أن السبايا هم ” خوارج ” و ” مرتدون “ لا علاقة بينهم وبين الدين الإسلامي ألبتّة، حتى أن أحد الحاضرين في مجلس الإحتفال بالنصر طلب أخذ إحدى السبايا جارية له ، لكن السيدة زينب استطاعت أن تؤثر في ذلك المجلس إلى حد أن خرجت زوجة يزيد نفسها من خدرها متضامنة مع سبايا آل البيت، وبادر أيضاً أحد رؤوس النصارى الحاضر في المجلس إلى مهاجمة يزيد بعنف ما أدى إلى مقتله، وهو أعلن إسلامه أمام رأس الحسين عليه السلام والذي كان يضرب يزيد بسوطه على ثناياه مزهوّاً.
– والإمام علي بن الحسين عليه السلام ، بدوره اعتلى منبر المسجد الكبير رغماً عن إرادة يزيد، والمكان مكتظّ بالحشود التي جمعها يزيد لمشاركته فرحته، فكشف حقيقة الأمور وفضح كذب الدعاية الأموية ضد آل بيت النبوة عليهم السلام فأراد يزيد وقف العملية من خلال الإيعاز برفع الأذان في غير وقته لعل الإمام السجاد يقطع كلامه، لكن الإمام لم يتأثر بالمؤذن وهو يرفع صوته بل انتظر لينطق بكل فقرة من الأذان فيعلق هو بما يُكمل حركته التعبوية، وانتظر حتى وصل المؤذن إلى قوله : أشهد أن محمداً رسول الله ، عند ذاك توجّه الإمام صوب يزيد المرتبك كثيراً قائلاً : ” أمحمدٍ هذا جدي أم جدك ، فإن زعمت أنه جدك فقد كذبت ، وإن قلت أنه جدي فلماذا فعلت بعترته ما فعلت “، فضج جميع من في المجلس بالبكاء متأثرين، وانفضحت ألاعيب يزيد وماكينته الإعلامية وأبواقه المأجورة وعلماء البلاط المرتزقة.
– إن حركة السيدة زينب والإمام علي بن الحسين في الكوفة والشام وبعد وصول القافلة إلى المدينة كانت تهدف إلى كسب العطف الشعبي مع حركة الإمام الحسين عليه السلام وإفشال دعايات السلطة الفاسدة.
– واستمر أهل البيت عليهم السلام بشكل مستمر في التركيز على تبيين الفاجعة بأساليب مختلفة والحضّ على إحياء ذكر الحسين عليه السلام حتى ثارت ثورات هنا وهناك، وخرجت السلطة من بيت معاوية بن أبي سفيان بإعلان معاوية بن يزيد تخليه عن السلطة بعد موت أبيه معلناً أحقية آل البيت بالخلافة.

– فآلت السلطة إلى آل مروان، وبدأت الصراعات بين الطامعين، وتفككت عُرى الدولة شيئاً فشيئاً حتى تم القضاء عليها بالكامل بثورة مدعومة من أهل خراسان من الموالين لأهل البيت، وذلك تحت شعار: ” إلى الرضا من آل محمد صلى الله عليه وآله ” .
– إن التجييش العاطفي الذي مارسه أهل البيت جميعاً لبيان مظلومية الحسين عليه السلام طوال عقود وهو مستمر حتى يومنا هذا ويتوسع عاماً بعد عام إنما هو مقدمة لتحريك عواطف الأمة الإسلامية بل والتأثير على عقول وأفكار كل المظلومين في العالم والمسلوبة حقوقهم إلى أي دين وطائفة انتموا وبأي فكر وعقيدة التزموا لكي يفيقوا من سباتهم، ويخلعوا لباس المذلة عن أنفسهم، ويرددوا مع الحسين عليه السلام: ” إني لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ بَرَماً “، و ” موت في عزّ خير من حياة في ذلّ ” ، فحينئذٍ يتحقق هدف الإمام الحسين من ثورته، ويصل وريث الرسالة المحمدية إلى بغيته، وترتفع راية الإصلاح التي رفعها سيد شباب أهل الجنة خفاقة في أكناف العالم.
– أما الإكتفاء بمظاهر الحزن والبكاء والضرب على الرؤوس واللطم على الصدور وإفراغ المجالس الحسنية من أهدافها المحددة من قبل أهل البيت عليهم السلام فإنه الظلم بعينه للإمام الحسين عليه السلام ، ولكن هذه المرة من جانب شيعته وليس من قبل من ينصبون له العداء منذ نشوب معركة ” الطف ” حتى يومنا هذا، لأن الهدف المعلن للحسين عليه السلام لم يكن التمرد على يزيد بن معاوية بشخصه ولعداوة معه بل قال: ” مثلي لا يبايع مثله “ حيث أعلن المعركة بين من يجسد في شخصه حقيقة الإسلام الحنيف وبين من يريد العودة إلى الجاهلية الأولى، والثأر لأشياخه المشركين الذي قُتلوا في حروبهم التي أعلنوها ضد الإسلام والمسلمين.

– وتستمر المسيرة الحسينية متجاوزة الحدود الزمنية والحواجز المذهبية والطائفية والدينية على يد كل من ينادي بالحرية في هذا العالم، ومن خلال أي إنسان يناضل في سبيل إحقاق الحق وبسط العدل ونصرة المستضعفين في أي بقعة من المعمورة.
– وفي حال استطعنا أن نفك أسر الثورة الحسينية من الأغلال، وتحريرها من الشوائب العالقة بها والتحريفات الطارئة عليها، وتعريف شعوب الأرض بحقيقة أهداف سيد الشهداء الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام فلا شك بأن جميع المظلومين والمستضعفين في العالم المتعطشين لمن يلهمهم العزيمة ويقودهم إلى العدل والحرية ستصدح حناجرهم مع الشيعة حيث يتواجدون بنداء: ” لبيك يا حسين “.

– السيد صادق الموسوي