#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية
– في العام ٦١ هجري دارت مواجهة بين عشرات الألوف من جنود يزيد بن معاوية وبين عشرات الأفراد من أنصار الحسين بن علي عليه السلام، وكان الإمام الحسين ومن معه يرفضون بيعة يزيد لأنه انحرف عن تعاليم الرسالة المحمدية، فيما يزيد يريد تطويع المطالبين بالتزام شريعة الإسلام الحنيف ليكون هو صاحب السلطة المطلقة ويباهي بأنه أنهى مسيرة النبوة المحمدية لتبدأ مرحلة الملك العضوض بأبشع صُوَره.
– ولأن الحسين هو الوارث الحقيقي للرسالة والمؤتمن على النبوة بعد رحيل جده النبي محمد صلى الله عليه واله وأبيه أمير المؤمنين علي عليه السلام فلا بد من أن يثور هو ضد السلطان الجائر، وينادي بصوت عالٍ بالعدل والقسط، فلحق به من بقي وفيّاً للشريعة المحمدية، وتخلف عنه من انخدع بزخارف الدنيا واستسلم لرغبات المتسلطين .
– لكن الرسالة الإسلامية بدأت بالقلة من الملتزمين مع النبي محمد صلى الله عليه واله وواجه القلة كثرة من المشركين في حروب عديدة حتى كان النصر من الله سبحانه ( ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً ) ، وبعد عدة عقود بدأت كذلك الثورة لأجل الحفاظ على تلك الرسالة بقيادة سيد شباب أهل الجنة واستجاب له القلة من المخلصين ضد جحافل المساندين لمن يدّعي زوراً خلافة جده ويزعم كذباً السير على منهجه، فكانت الغلبة العسكرية لجنود السلطان بعد ساعات معدودة من المبارزة والقتال ، وتمّ القضاء على العدد القليل من الثائرين بأبشع الصور وأشنع الأساليب، لكن المعركة الحقيقية للحسين عليه السلام وأصحابه لم تنتهِ بعد ظهر العاشر من المحرم، بل إن المسيرة الثورية انطلقت لتوّها لتعرّي حقيقة الجالس على العرش وزبانيته ، فكانت حركة السيدة زينب بنت أمير المؤمنين عليه السلام والإمام علي بن الحسين زين العابدين منذ انطلاقة موكب الأسرى في اليوم التالي للمعركة متجهة نحو الكوفة حيث الأمير عبيد الله بن زياد كان يريد الزهو والإحتفال بالنصر، لكن الهدف هذا لم يتحقق، بل فضح الثنائي زينب ـ السجاد المؤامرة وكشفا حقيقة نوايا الأمويين وحلفائهم ضد أهل بيت رسول الله صلى الله عليه واله منذ انطلاقة الدعوة النبوية ، وأراد الأمير الخروج من مأزقه هذا كون الكوفة هي قبل ذلك كانت عاصمة علي بن أبي طالب عليه السلام وذاقت حلاوة العدل في كنفه ورأت تحقق الحق تحت سلطته .
– ولذلك فإنها لن تتجاوب مع رغبته كما يريد رغم انسياق البعض من الكوفيين مع الحكام الجائرين، لكن الشام كان مند البداية غريباً عن أهل البيت وتحت حكم الأمويين منذ بداية الفتح الإسلامي، حتى أنهم لم يسمعوا أبداً بإسم علي، ولم يعلموا بموقعه، ولم يطلعوا على دوره في مسيرة الإسلام أصلاً، ولذلك فإن خداع الناس هناك يكون أمراً سهلاً، وتجاوب العامة مع دعوى الحكام بالنصر على ” الخوارج عن الدين “ مضمون هناك، لكن الثنائي زينب ـ السجاد استطاع في الشام أيضاً قلب الطاولة على رؤوس الظالمين، وفضح الحاكمين أمام العالمين، وتنوير السذّج من الناس والغافلين، حتى اضطر يزيد إلى التبرؤ من فعله وتلبيسه لأميره على الكوفة عبيد الله بن زياد بل ولعنه أمام الحاضرين، ثم سارع إلى التخلص من الأسرى وبادر إلى إعادتهم إلى المدينة المنورة مكرمين.
– أما الحركة التي بدأها الإمام الحسين عليه السلام فإنها لم تتأثر أبداً بألاعيب يزيد واليزيديين، بل انطلقت ثورة التوابين الذين ندموا على عدم لحقاهم بالحسين وتتالت الثورات في مختلف البقاع حتى تمكن العباسيون من الإنقضاض على ما تبقّى من الدولة الأموية المتهالكة وذلك تحت شعار ” إلى الرضا من آل محمد “ فلم يُبقوا لبني أمية باقية ولم يتركوا لهم أي أثر، بل تأسست دولة الفاطميين وهم من ذرية السيدة الزهراء عليها السلام في عموم شمال إفريقيا والبويهيين الشيعة أسسوا دولتهم في العراق ودول أخرى قامت للشيعة في لبنان وغيرها وكانت كلها تحت شعار الولاء لأل بيت رسول الله صلى الله عليه واله.
– ورغم مضي القرون على معركة الطف فإن رسالة الإمام الحسين عليه السلام في مواجهة الظلم والظالمين مستمرة في كل بلد، ولا يقتصر تأثيرها على الشيعة، بل يمتدّ شعاعها ليصل إلى كل من يبغي العدل وإن لم يكن مسلماً، ويتّبع المسيرة الحسينية كل مناوئ للظلم وإن لم يلفظ الشهادتين .
– حيث المهاتما غاندي الهندوسي على سبيل المثال يرى أنه استلهم حركته من ثورة الحسين في مواجهته ضد الإحتلال البريطاني ، ونيلسون مانديلا يقتفي أثر الحسين أيضاً في مقارعة لنظام التمييز العنصري في جنوب إفريقيا ، والمسيرة مستمرة مستمرة حتى نهاية العالم ، حيث ينجذب الأحرار في كل عصر ومصر نحو دعوة الحسين وإلى أي دين انتموا، ويلتحق الثوار في كافة بقاع الأرض بثورة الحسين وإن لم يكونوا مقتنعين بشريعة الإسلام .
– لأن شعار الحسين كان : ” إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم “، وكان منطقه ” ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به وإلى الباطل لا يُتناهى عنه فليرغب المؤمن في لقاء ربه ” ، والإمام الحسين عليه السلام لم يُطلق الشعار فحسب كما يفعل كثير من دعاة الإصلاح بل جسّده بنفسه وعياله وأصحابه يوم العاشر من المحرم أكمل تجسيد، وطبّق في حق نفسه وأسرته وأنصاره ما أعلن من مواقف من دون تردد، حيث كان لسان حاله مخاطباً ربه قبل أن يفارق هذه الدنيا : ” إلهي تركت الخلق طُرّاً في هواكا، وأيتمتُ العيال لكي أراكا، لئن قطّعتني في الحب إرباً لما مال الفؤاد إلى سواكا “، وهو الذي ظل يردد في آخر لحظات حياته : ” هوّن ما نزل بي أنه بعين الله “.
– فلا يجوز للشيعة إذن أن يحتكروا ثورة الحسين أبداً، ولا يجوز للمسلمين أن يستولوا على مسيرته، ولا يجوز أيضا أن يفتخر أهل الكتاب في العالم بالحسين وحدهم ، بل إن كل حرّ في هذا العالم هو من أنصار الحسين حكماً، وكل طالب حق من أية ملة هو من أتباع سيد الشهداء لا محالة، وكل مناهض للجور والطغيان من أي دين هو يسير على منهج سيط رسول الله صلى الله عليه واله من دون تردد ، فهو مفجر الثورة على الطغاة ، والداعي إلى الحق والعدل، والمطالب بإقامة القسط بين الناس ، وهذا هدف كل الأحرار ، ومبدأ جميع الثوار، ومطلب كافة المنتفضين في أي عصر وزمان.
– السيد صادق الموسوي