# وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية
– شعرة معاوية قاعدة سياسية بالغة الأهمية في معالجة جميع شؤون الحياة بدءاً بالتعامل بين أفراد الأسرة والحي والمدرسة والمجتمع والدولة، وانتهاء بالتعامل بين الدول والشعوب وثقافاتها المختلفة والمتنوعة .
– تحتل هذه الشعرة مكاناً بارزاً في مبادئ السياسة وأصول الحكم رغم تعدد مصطلحاتها. تشغل هذه الشعرة نطاقا محددا بين الشدة واللين بحيث إذا تجاوزت مجالها نحو أي منهما نتج عن هذا عواقب وخيمة .
– مقدمة كبرى:
(الفساد ظاهرة طبيعية موجودة في كل الدول).
هذه قضية موجبة وهي قضية مسلمة وحقيقية وصادقة.
– مقدمة صغرى:
(سورية دولة).
هذه المقدمة تبين أن سورية مشمولة في المقدمة الكبرى، وهي أيضا من البديهيات، وهي موجبة وصادقة وحقيقية.
– نتيجة : (الفساد موجود في سورية).
– وبما أن الفساد ظاهرة طبيعية، يستحيل أن يسع أي دولة في العالم استئصاله من جذوره داخل حدودها أو خارجها. وبالتالي، ينبغي على كل الدول وشعوبها التسليم بهذه الحقيقة. بيد أن هذا التسليم بهذه البديهية لا يعني أن تقف الدولة والأفراد مكتوفي الأيدي. ولهذا سنت القوانين ووضعت التشريعات وعقدت الاتفاقيات وأخذت المواثيق والعهود من أجل تنظيم التعامل بين الأفراد والدول، والحد ما أمكن من التجاوز والتعدي أو الاحتيال والخداع والغش ونقض العهود أو التقصير أو التعسف إلخ في استخدام الحق، وتحديد الواجبات والحقوق، والعقوبات عند حدوث شيء مما سبق.
– محاربة الفساد سلاح ذو حدين: كيف؟
أولا، إذا قامت أجهزة الرقابة في أي دولة بفرض رقابة صارمة ودائمة على كل فرد في الشعب (كما يرغب البعض لتصل الحقوق إلى أصحابها، وهو محق، والآخر محق من جهة المطالبة بما هو حق له، وهذا مستحيل، أي يصعب على أجهزة الرقابة ملاحقة الجميع)، ستؤدي هذه الصرامة، من ناحية، إلى رد فعل معاكس للهدف المرجو منها، بدءا بالضجر والتذمر وانتهاء بالإضرار بالدولة.
من ناحية أخرى، كلما اشتدت الصرامة في ملاحقة المخالفين تولدت عند أفراد الشعب، على نحو مطرد، أساليب احتيال ومراوغة جديدة. وهذا عائد جزئيا إلى أن الفساد يشبه إلى حد ما الفيروس الذي يطور طرقا ونماذج جديدة لمقاومة الدواء. فالرقابة الدائمة تجعل المراقبين (بفتح القاف وضم الميم) يبتكرون حيلا وأساليب وأفكارا جهنمية لتجنب القوانين وتحقيق أهدافهم خاصة إذا كانوا يعانون من ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة. هنا تتحول بعض القوانين بالنسبة للبعض قيدا يلجئهم إلى تجنبه (مهما كانت الوسيلة) لاسيما إذا استهدفت الرقابة صغار الكسبة وغضت النظر عن بعض الكبار لأن الفساد، كثر أو قل، واحد سواء في الطبقة الدنيا أو في العليا. وبالتالي، محاربة الفساد في حد ذاتها عديمة الجدوى، ولا تعني أبدا محاربة المفسد أو الفاسد، بل تعني كف يده، والحد من الفساد قدر الإمكان دون انحياز إلى طبقة دون أخرى، فالتمييز أو الانحياز له تبعات سيئة قصيرة وطويلة المدى.
ثانيا، إذا تراخت أجهزة الدولة في إنفاذ القوانين، والضرب على يد المخالفين والمفسدين، ملقية الحبل على غاربه، ستعم الفوضى ويختلط الحابل بالنابل، وتضيع الحقوق. وهذا يؤدي إلى الاستخفاف بالقوانين والسخرية منها، ويقلل من هيبة الدولة واحترامها في الداخل والخارج، ويؤثر على المصداقية والثقة بين الأطراف المعنية ما يؤدي إلى نتائج سيئة.
– مثال واقعي :
1- إذا كانت مخصصات سائق الميكروباص 30 ليترا كل يوم من الوقود المدعوم، وافترضنا أن السائق استلم حصته، ثم باعها في السوق السوداء بسعر يفوق تسعير الدولة بثلاثة أضعاف وعاد إلى منزله. هذا يعني خروج مركبة نقل عامة عن العمل، فينقص بذلك عدد المركبات المخصصة لنقل الركاب ذهابا وإيابا على خط معين بين المدينة والريف.
قد لا يكون لغياب مركبة واحدة ذلك التأثير الكبير. لكن إذا فعل بعض سائقي الميكروباصات كما فعل السائق السابق، مثلا، فهذا سيسبب مشكلة؛ ازدحام، وانتظار، ويعرقل توجه الناس إلى شؤونهم، فيبدؤون بالتذمر والشكوى.
2- إذا فرضنا أن أحدهم أستاذ في جامعة دمشق، ويسكن في الريف، ويعاني من هذه المشكلة ويريد حلا كي يصل ويكون على رأس عمله في الوقت المحدد، وهو يعلم ما يفعله بعض السائقين بمخصصاتهم، ويقول إن أناسا آخرين أحوج إلى ذلك المقدار من الوقود (٣٠ ليتر مازوت) للتدفئة بسبب وجود أطفال أو والدين مسنين أو مرضى، وأحق به من ذلك السائق الذي يبيعه في السوق الحرة.
– حقيقة مسلمة: كل أستاذ وكل موظف وعامل (من نساء ورجال وطلاب) في كل القطاعات من حقه أن يصل إلى وجهته في الوقت المحدد لأن تأخر كل هؤلاء أو بعضهم يؤثر سلبا على أدائهم، وأداء المؤسسات التي يعملون فيها
– حقيقة مسلمة: من العدل والإنصاف أن يفترض أستاذ الجامعة المذكور في المثال أن سائق الميكروباص قد يكون عنده أطفال، أو والدين مسنين، أو غيرهم من أفراد العائلة آخذين بعين الاعتبار أن السائق هو من صغار الكسبة، وهناك فروق متفاوتة بين المهن، وهناك نسبة من السائقين ما يزالون شبانا، وآخرون كهولا، بعضهم متزوجون ولديهم أطفال، فضلا عن أن نسبة الكهول والمسنين الذين يحتاجون إلى إعالة ارتفعت في بعد مغادرة عدد كبير من الشبان والرجال البلد. وبالتالي، الأستاذ والسائق على حق لأن هذه حالة إنسانية ومعيشية يشترك فيها كل الأفراد.
– الحل الذي اقترحه الأستاذ الجامعي :
– انطلاقا من أحقيته وأحقية من هم أحوج إلى هذه المخصصات من السائق، اقترح وضع نقطتي مراقبة أو ثلاث في بداية الخط ووسطه وآخره يسجل فيه السائق ساعات عمله لإثبات أنه قام بنقل الركاب ذهابا وإيابا حتى انتهت حصته اليومية من الوقود! بعبارة أخرى، هذا الاقتراح يشبه، من وجهة نظري، دفتر تفقد الطلاب في المدارس، أو السجل الذي يوقع فيه الموظفون عند قدومهم إلى مكان العمل وعند مغادرتهم! ربما جهاز التعقب يقوم بهذا العمل. لكن، إذا قامت الجهات المختصة بإنصاف الأستاذ الجامعي، وألزمت السائق بالعمل بمخصصاته، ماذا يفعل السائق؟ هو حتما لم يلجأ إلى بيع مخصصاته إلا بسبب العوز والحاجة وارتفاع تكاليف الحياة، وعدم كفاية ما يكسبه من عمله. في الرخاء والسراء يمكن تدبر هذه المسألة، أما في أيام العسر والضراء والحصار وارتفاع الأسعار التي لم تعد بمتناول الكثيرين من الصعب إيجاد حل لأن المسألة هنا تتعلق بالصراع للبقاء على قيد الحياة. ومن الخطأ الاعتقاد بأن “البقاء للأقوى”، فأنا لا أؤمن مطلقا بهذه المقولة. لذلك لا جدوى من هذا الحل في هذه الأوقات العصيبة لأن هذا السائق وأمثاله سيجدون وسائل أخرى للتحايل، وقد أثبتت الخبرات والتجارب هذا حتى الآن.
ما تقدم مهم، وهو أساسي لكنه وحده غير كاف للحد من الفساد وإيجاد طرق تمنع الاحتيال على القوانين مهما كانت الوسائل. وكما أن الإنسان لا يستطيع إرضاء الجميع، كذلك الدولة مهما حاولت إرضاء رعاياها والمحافظة على حقوقهم، بقدر ما تسمح به إمكاناتها ومقدراتها وقوانينها وبحسب الظروف المحيطة، فستظل هناك بعض الفئات التي تشعر بقدر من السخط والاستياء، والظلم والإجحاف. وقد تلجأ الدولة إلى إزالة هذا الاستياء والسخط بما يكون معادلا لما حصلت عليه الأغلبية، غالبا مع مراعاة وجود هذا المعادل عند الأغلبية كي لا تقع الدولة في حلقة مفرغة.
وبما أن القانون وحده – كرادع – قاصر عن تحقيق الهدف الذي سن من أجله ولا يعمل كما يجب لاستعادة هيبته واحترامه ينبغي على الدولة العمل على ترسيخ وتعزيز الروادع الأخرى عند الأفراد، والعمل بشكل خاص على تحويل الرادع من خارجي – كالقانون والدين مثلا – إلى رادع ذاتي محض يفرضه كل امرئ على ذاته بمحض إرادته ورضاه، ويصبح رقيبا على نفسه، ثم رقيبا عليها وعلى من حوله، إلى أن تتوسع دائرة رقابته شيئا فشيئا إلى أكبر قدر ممكن. وهذا الرادع يزيح، في النهاية، عبئا كبيرا عن كاهل أجهزة الرقابة.
توجد أمور عديدة لتربية وترسيخ الرادع الذاتي عند الأفراد منها مثلا في الأسرة والمدرسة:
– التنشئة على مكارم الأخلاق والفضائل والعادات الحسنة وإظهار جمالها ومحاسنها وما تؤتيه من ثمار طيبة ونهايات حميدة عاجلا أو آجلا، وتجنب الذميم منها، وتبيان سبب قبحها وعواقبها الوخيمة.
– الإقناع بالسلوك لا بالقول لأن مناقضة الفعل للقول عديمة الفائدة، بله تعزز الجانب السلبي عند النشىء.
– تجنب استخدام كل أنواع العنف والإرهاب ما أمكن لأن هذا يدل على افتقار المربي إلى أساليب أجدى نفعا.
– تعليم النشىء الكسب الحلال، والاعتماد على أنفسهم، ولذة الثمرة ومعرفة قيمتها بعد التعب والكد في زراعتها وتعهدها بالرعاية والسقاية، وتحمل المسؤولية تدريجيا، وتكليفهم بأعمال الخير والبر، إضافة إلى تعليمهم أهمية المال وقيمته وكونه مجرد وسيلة، وليس غاية في حد ذاته، وكذلك كل شيء في الحياة. الكيف هو المعول عليه، وليس الغاية أو الهدف.
– ترسيخ وتعزيز القيم والروابط الأسرية والمجتمعية كالتحابب والتعاون والتعاضد والتكافل والتراحم بين أفراد الأسرة والمجتمع والدولة، وتتوسع هذه الدائرة شيئا فشيئا كي تشمل الإنسانية بقدر استعداد الفرد وصفاء ذهنه ونقاء قلبه وطيبة نفسه ورحابة صدره.
– إبعاد النشئ عن الخرافات والتقاليد والبدع والأساطير والنظريات الرائجة والمقولات الجامدة التي تعطل عقله وتثبط عزيمته وتعيق مسيرته في الحياة، وتفتقد إلى المصداقية العلمية، ولا تقرها القوانين والتشريعات. لا مانع بالطبع عندما يكتسب الفرد لاحقا مناعة كافية من الاطلاع عليها لأنه حينئذ سيكون قادرا على تحكيم العقل والمنطق فيما يقرأ أو يسمع.
– كل جيل يملك بضاعة ورثها عبر قرون مثلما ورث جيناته، فإذا كان لا يملك حيلة لمنع جيناته من الانتقال إلى الجيل الجديد، (إلا من خلال تخير الأزواج) فهو على الأقل، يملك القدرة على أو الحرية في عدم بيع بضاعته إلى الجيل الجديد وفرضها عليه لاعتقاده أن ذلك يصب في مصلحته، وهذا في أغلب الأحيان، ليس كذلك.
التطور مبني على الحركة والتغير، وليس على الثبات والسكون. ومن الخطأ الفادح افتراض أن نجعل الأجيال الجديدة تعيش في ماضينا الذي ولى ونحن ننوء بحمله على كواهلنا وفي ذواكرنا، ونطلب منهم أن يكونوا نسخا مكررة منا.
– توجيه النشىء إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم وعلاقاتهم، وتعليمهم منذ نعومة أظفارهم التفكير في حلول مجدية، والمحاكمة المنطقية السليمة، مع أخذ الناحية الإنسانية بعين الاعتبار، بدل التلقين وتعطيل عقولهم، بحيث إذا واجهوا أي موقف تعلموا مع الوقت كيفية التعامل معه بما يتوافق مع الظروف المحيطة.
– تعليم النشىء أهمية المشورة وتبادل الآراء والرجوع إلى من يتمتعون بالخبرة والحكمة والتعقل، المشورة تثري العقل وتزيد الخبرة، وتفتح آفاقا جديدة في عقول النشىء، وتولد أفكارا وحلولا تفيدهم في حياتهم المهنية والاجتماعية والأسرية لاحقا. ما خاب من استشار.
– ينبغي على كل جيل أن يمنح مساحة كافية من حرية الاختيار للجيل الذي يليه.
– نبذ منهج الثواب والعقاب في التربية لآثاره الوخيمة لاحقا. من المهم أن يجعل المربي (ة) الأطفال يحسنون السلوك من أنفسهم دون إجبار أو تعنيف، ودون توقع شيء في المقابل، ويتجنبون السلوك المشين بإرادتهم دون خوف عقوبة. ينطبق الأمر ذاته على الأمور الأخرى أيضا الدينية والأخلاقية والاجتماعية…
– تعليم النشىء الفعال يعتمد على التطبيق العملي أولا. والمربي يمثل النموذج والقدوة للنشىء، وبقدر حسن أخلاقه ومهارته وتنوع أساليبه ومحبته واحترامه وتقديره لقيمة من يتولى رعايتهم وتوجيههم وتشجيعهم وتحفيزهم بقدر ما تثمر جهوده فيهم. وأهم دعامة يجب توفرها فيه هو تطبيق كل ما يعلمه لهم. فإذا علمهم الصدق، وكان يكذب، ضاعت جهوده هباء. وإذا قال أمرا وفعل خلافه، فقدوا ثقتهم به. فالأطفال شديدو الملاحظة، يدركون التناقض والنفاق والرياء والغيرة وغريزة التملك قبل أن يعلموا تسمياتها. لذلك ينبغي على المسؤولين عن تأهيل المربين في الأسرة والمدارس التركيز على أهلية المربي الأخلاقية والنفسية والسلوكية، وعلى كفاءته في التعليم، ومهاراته في التواصل مع الطلاب، إضافة إلى قدرته على إيصال المعلومات عمليا وسلوكيا ونظريا.
– يجب أن يسبق التعليم العملي، التعليم النظري، أو يصاحبه على الأقل، ويكون المعول في النجاح على العملي. هذا يكسب الطالب في المستقبل المرونة الكافية لمعالجة المواقف التي تشح فيها الموارد، وحسن التكيف في الظروف الصعبة.
(ملاحظة: سيكون هناك تفصيل نوعا ما في التعليم العملي، أو التطبيقي لاحقا.)
– تعويد النشىء على تحمل المسؤولية بحسب استعدادهم، وعلى اتخاذ قرارات بأنفسهم بعد مراجعة الاحتمالات والحلول الممكنة والإمكانيات المتاحة كي يكتسبوا المهارة في معالجة المشاكل بله تفاديها في المواقف الحساسة التي تتطلب سرعة بديهة وحسن تصرف وبصيرة ثاقبة وقرار حكيم وحاسم.
– من المهم للغاية احترام خصوصيات الأطفال وأمورهم الحميمية، وتعليمهم الحفاظ عليها ووضع حدود كافية بينهم وبين الآخرين بحيث يحترمونها، ولا يجرؤون على انتهاكها. لا يجدر بالمربين أن يحيجوا الأطفال إلى تقديم تقارير بما فعلوا، وعدم سؤالهم عن كل شاردة وواردة، وفي كل حركة وسكون عما يفعلون.
مثال: من المخجل أن يسأل الوالدون أبناءهم في المنزل أو المدرسون الطلاب أمام زملائهم: لماذا تريد الخروج؟ عندما يستأذن أحدهم المربي في الخروج، أو الطفل في المنزل تلبية لنداء الطبيعة. تصبح هذه الأسئلة المستنكرة أشد إحراجا وقبحا وإثارة لسخط الأولاد والطلاب وربما السخرية والضحك والتهامس عندما يكون الطالب أنثى أمام زميلاتها، أو في المدارس المختلطة، أو أمام إخوتها في المنزل. فهذا انتهاك سافر لخصوصيتهم، وتحطيم لشخصيتهم، وكشف ما هو مناف للحياء علنا يقلل من احترام الآخرين للمربي والطالب. يظل هذا الانتهاك في ذاكرة الطفل حتى يكبر. يظهر هذا جهل الأبوين والمربين (الذين يرفضون أن يتعرض أولادهم لمواقف محرجة كهذه ولا يقدرون أيضا أن بعض أولادهم وبعض الطلاب لديهم مشاكل صحية) وعدم أهليتهم إنسانيا وأخلاقيا وتربويا.
– ينبغي عدم التمييز في العواطف والأعطيات والتعامل والخطاب بين الذكور وبين الإناث، وبين الذكور وبين الإناث كل على حدة، لما للتمييز في الجنس الواحد، وبين الجنسين من آثار وخيمة فيما بعد. ولا ينبغي تفضيل ولد أو طالب على آخر في الأسرة أو المدرسة ذكرا كان أو أنثى. فما يظهر لبعض المربين تميزا وتفوقا أو ملكة عند بعض الأولاد في الأسرة أو الطلاب لا يعني أن الآخرين لا يتمتعون بها أو بما يعادلها أو يفوقها. يجب أن يدرك المربون عدم وجود طفل غبي وآخر ذكي، بليد الذهن أو حاد الذهن، بطيء الفهم أو سريع الفهم قبيح أو جميل. غالبا ما يظلم المربون الأطفال بإطلاق هذه النعوت والأحكام العشوائية دون تدبر وتأمل ودراية كافية في التعامل مع هذه العطايا الإلهية والكائنات المتنوعة الرائعة التي حباهم الله بها، وخصهم برعايتها.
– تجنب المربين كيل اتهامات للأطفال لا أساس لها قبل التثبت منها. وتعليمهم ذلك في التعامل مع زملائهم وإخوتهم. وإن اتهمهم المربون ظلما – أي لم يفعل الأولاد ما يبرر الاتهام – سيشعرون لاحقا وغالبا أنهم موضع اتهام – دون مبرر منطقي – وأنهم سبب مباشر أو غير مباشر فيما يحدث حولهم. أما إن تحقق المربي من الصحة والدليل قبل الاتهام، فيجدر به اتباع اللين والرفق والمحبة والدعم في جعل الطفل يعترف طوعيا بخطئه. حينئذ، على المربي أن يقدر مبادرة الطفل ويقررا معا اقتراح حلول لتصحيح الخطأ. هذه إحدى الطرق التي يعلم الطفل فيها إذا أخطأ أن هناك من يثق به ويقف إلى جانبه ويبين له التصرف السليم دون خوف لوم أو عقوبة. أما لجوء المربي إلى العنف الجسدي واللفظي والنفسي كوسيلة لمعرفة الحقيقة فلن يؤدي إلا إلى الكذب عليه ومراوغته وبغضه والحقد عليه وربما الانتقام منه عندما يكبر، وتكون هذه الطريقة درسا للأبناء يتعلمون منه فعل ما يريدون في الخفاء.
– توفير العناية الصحية للأطفال منذ بداية الحمل، ثم بعد الولادة إلى أن يكبروا ولو كانت الموارد قليلة. الإهمال الصحي بسبب قلة الموارد أو بسبب الجهل يؤدي إلى معاناة الأطفال المستمرة بعد البلوغ لتصبح مزمنة بحيث يصعب شفاؤهم منها، وتؤثر على حياتهم الاجتماعية والمهنية والنفسية. ضيق الحال ليس مبررا لأن المشافي والمستوصفات شبه المجانية متوفرة لتقديم المشورة والطبابة. أما الجهل والانشغال فليس حجة، التوعية الصحية والطبية مهمة لتثقيف الأهل والانتباه إلى أي أمر غير طبيعي يلاحظونه على أولادهم وقاية لهم من المعاناة لاحقا.
– توجيه عناية كبيرة في التربية النفسية والحرص على أن يتمتع الأبناء بتنشئة نفسية سوية خالية من عقد ورواسب الماضي كي يكونوا قادرين على التكيف والعطاء والإبداع والابتكار. وتقديم التشجيع والدعم المعنويين وتوفير الحب والأمان والحنان.
-لا تخلو بعض الأسر من الأسرار مهما كان الأساس الذي تعتمد عليه. وإحدى النصائح المهمة التي يمكن إسداؤها للأهل وللمربين هي عدم إفشاء هذه “الأسرار” مهما كانت لأطفالهم. عندما يكبرون، يجب على الأهل والمربين التفكير مليا قبل الإسرار لهم، وسؤال المربي نفسه مثلا: “هل من الضروري أن أخبر ابني أو ابنتي بهذا؟ هل معرفته بهذا ستنفعه في المستقبل؟ هل يضره الجهل به؟ هل سيتمكن من حفظه، أم سيفشيه بدوره لغيره؟” وغير ذلك من الأسئلة التي يصل المربي من خلال الإجابة عليها بنفسه إلى قرار حصيف ومناسب. وإن أخفى المربي شيئا يتعلق بحياة أبنائه وصادف أن سمعوه من الآخرين، ثم طالبوه بمعرفة الحقيقة، فعليه إخبارهم بالحقيقة دون جرح مشاعرهم، وإن استنكروا إخفاءها عنهم لوقت طويل، عليه تقديم سبب وجيه لهذا التأخر، بأسلوب يعبر عن المصداقية والحكمة من ذلك. وفي كل الأحوال، طوبى لمن يتوفاه الله وتظل أسراره حبيسة صدره في القبر.
– من أهم القضايا التربوية بناء الثقة بين الوالدين والأبناء منذ لحظة قدوم الأطفال إلى الحياة. الثقة بين الأب والأم وبينهما وبين أولادهما وبين المربين وطلابهم وبين الأفراد في المجتمع هي المحور الأساسي الذي يعول عليه في جميع المعاملات، وتبنى على أساسه العلاقات، وهو من أهم أسس النجاح في الحياة وتنشئة جيل قوي واثق من نفسه ومن قدراته، قادر على تخطي الصعاب.
– منع ضرب الأطفال في الأسر والمدارس، تحريم ممارسة أي نوع من التعنيف اللفظي والسلوكي والنفسي تسبب الأذى، وتلحق الضرر عاجلا، أو آجلا، ووضع قوانين تمنع إلحاق أي نوع من الإيذاء للطفل أو الإضرار بمصالحه، ومعاقبة من ينتهك هذا القانون بحسب حجم الضرر الجسدي والنفسي مع رد الاعتبار للطفل أو الطالب.
– تجنب مقارنة الأطفال ببعضهم داخل الأسرة أو بأطفال الأقرباء أو الجيران، وعدم مقارنة الطلاب في الصف ببعضهم في المدارس لأن كل طفل أو طالب هو نسيج وحده، له بيئته وظروفه وثقافته ومكانته الاجتماعية، وقدراته الجسدية والذهنية والنفسية. لذلك، لا تصح المقارنة، وهي تأتي بعكس ما يرجوه المربي، خلافا لما هو شائع. ومن آثارها المدمرة، مثلا، أنها تجعل الطفل يشعر بالدونية والنقص.
– عند لجوء الأبوين إلى الانفصال يجب عليهما دراسة هذه الخطوة طويلا، وكيفيتها كي يجنبا أولادهما تحمل تبعات قضية لا ذنب لهم فيها. ويجب أن يأخذ القانون والأبوان مصلحة الأولاد بعين الاعتبار، وتكون للأولاد الأولوية في ضمان حقوقهم ومصالحهم ومستقبلهم. مع الحرص على أن لا يؤدي هذا الانفصال إلى إلحاق الضرر بهم وحرمانهم من الأمان والحب والحنان.
– تجنب مدح طفل وكيل الثناء له، أمام آخر في الأسرة أو المدرسة أمام زملائه دون الآخرين. هذا السلوك يثير غالبا غيرة وحسد وبغض الآخرين، كما يخلق عندهم شعورا بالنقص وعدم الثقة بالنفس وتراجع الأداء وربما العدوانية لاحقا، ويقلل من احترامهم لأنفسهم واحترام الآخرين لهم. ينبغي الاعتدال في المدح والثناء والتقدير إلخ، وإلا، قد تولد عند الممدوح العجب والكبر والغرور والفوقية، ويحتمل أن تؤدي بالبعض إلى التنمر والتعدي على من يظنون أنه دونهم.
فإن كان لا بد من ذلك، فيجب على المادح في الأسرة والمدرسة أن يشمل الجميع بالمدح بلا استثناء – كل بحسب ما يتمتع به حتى ولو كان أداؤه ضعيفا. فهذا أجدى له ولهم، ويجنبهم معاناة لا لزوم لها.
– تجنب خوف الوالدين المبالغ فيه. الخوف عليهم ضمن الحد الطبيعي المتعارف عليه مقبول ومطلوب من الأهل والمربين. متى جاوز هذا الخوف الحد الطبيعي أصبح غير مبرر، وأضر بمصلحة الأولاد، وجاء بعكس النتائج المرجوة. وقد قيل: إذا زاد الشيء عن حده انقلب إلى ضده.
– تجنب سوء توجيه الخوف على بعض الأطفال دون غيرهم، أي وضع الخوف في غير محله، في حين يجدر بالأبوين، أو أحدهما، أن يوجها خوفهما إلى الأطفال أو القضايا التي تستحق ذلك، إلى الأطفال أو النواحي التي لا تثير قلقهما والدليل قولهم: من مأمنه يؤتى الحذر. فآخر أمر قد يخطر في ذهن المربي هو أن خوفه من أمر ما، أو على طفل ما لم يكن في محله، وأنه كان من الأجدى الخوف مما كان مطمئنا إليه. آنئذ، يكون الأوان قد فات.
– تعليم الأطفال الاعتماد على أنفسهم في حل مشاكلهم بين بعضهم وإيجادهم حلولا ترضيهم جميعا دون تدخل طرف خارجي إلا في المواقف الحساسة والخطيرة. وتعويدهم على بر الوالدين وصلة الرحم ومد يد العون لبعضهم وللآخرين في المحن، وينبغي على المربي والمجتمع أن يراعي هذه المسألة.
مثال: حدث في طفولتي أن تأخرت في الوصول إلى المدرسة عدة دقائق. فرأتني المديرة في الرواق وأنا مسرعة إلى صفي، وسألتني: لماذا تأخرت؟ أجبت: طلبت مني أمي جلب حليب لها، وكانت أمي حينئذ حاملا. فما كان من المديرة إلا أن لطمتني بقسوة على خدي لطمة قوية لم أنسها ولن أنساها مدى حياتي. لم أفعل أمرا سيئا يستحق تلك اللطمة الخالية من الرحمة والتقدير وتفهم العذر. وكان الأجدر بها أن تطلب ولي أمري لحل هذا الموضوع بدل معاقبتي على أمر لا ذنب لي فيه.
– عدم حرمان الأطفال من التعليم بحجة العمل أو تحميلهم مسؤولية أكبر من سنهم، بحيث يكبر أحدهم قبل الأوان، أو إجبارهم على ممارسة مهنة التسول في برد الشتاء القارس وصقيعه، وتحت أشعة الصيف الملتهبة والقيظ الشديد. فهذه جريمة في حقهم، وإيذاء لبراءتهم وحقوقهم، وحرمان من عيشهم طفولتهم كما يجب وهذا يفوت عليهم فرصا كثيرة، ويؤخر حصولهم على بعض حقوقهم إلى مرحلة متقدمة من العمر، وقد لا يحصلون عليها أبدا، ناهيك بأنهم ذات يوم، ربما يدركون الظلم الذي حاق بهم ويلومون من كان السبب في شقائهم ويصبون جام سخطهم وغضبهم عليه، ولا يجدون حيلة لتعويض جزء مما فقدوه، إضافة إلى الآثار والآلام النفسية الممضة وخيبات الأمل ونظرة المجتمع لهم. يستحسن سن قانون يمنع عمالة الأطفال كليا، ويتخذ في حق من يستعملهم ويحرمهم من التعليم الإجراءات اللازمة.
– يجب على المربين، في حياتهم، في الأسرة والمدرسة عدم تقديم وعود لامنطقية، أو يستغرق تحققها زمنا طويلا، ليسوا قادرين على الوفاء بها بحيث إن تحققت بعد وفاتهم يكون الموعود قد تقدم في السن وفقد قوته ونشاطه، وأصابه المرض وهو ينتظر الموت، وبالتالي لم تعد تهمه تلك الوعود سواء كانت صادقة أم كاذبة، وبغض النظر عن دافع تلك الوعود، لاسيما إن كان الموعود أنثى. والأسوأ من ذلك، إن لم تتحقق تلك الوعود، ستنهار مصداقية الذي قدم الوعود في نفس الموعود، ويكون قد تعرض لخدعة كبيرة واحتيال لا مثيل له، وأبشع استغلال من أقرب الناس إليه.
– عدم إجبار الفتيات على الزواج في سن مبكر قبل نضوجهن وأهليهتن الكاملة له من النواحي الفزيولوجية والنفسية والمعرفية بحجة سترهن، أو بحجة التخلص منهن ومن عبء نفقاتهن.
– عدم تزويج الصغيرات من كبار السن طمعا بالمال. الزواج علاقة إنسانية، وليس صفقة وعقدا يوقعه الطرفان يبيع الأهل بموجبه ابنتهم لقاء مبلغ من المال، أو طمعا بما سترثه من الزوج بعد وفاته. هذا أحد أنواع استغلال الأنثى ووأدها وهي حية. والقانون وحده قادر على منع هذا النوع من المقايضة البشعة بحيث يمكن للأنثى الكارهة لهذا الزواج اللجوء إليه دون خوف للتخلص منه أو فسخ العقد في حال إبرامه إن كانت قاصرة، أو دون علمها ورضاها إن لم تكن قاصرة تحت الإكراه. ويحق للقاضي تجريد الولي من الولاية.
– يجب أن يشمل هذا القانون زواج الشغار وما يشابهه ويلغي شرط تعلق طلاق وتحديد مصير المرأة بطلاق الأخرى، وعدم السماح مطلقا بإبرام عقود زواج تعسفية مثل هذه وإبطال شرعيتها، ومخالفة كل من يساهم فيها.