# وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية
– لا شك أن للإعلام دور أساسي في توجيه الرأي العام وتحريك عواطفه، وتلك الوسائل يتحكم في سياساتها أشخاص وأطراف ذوو توجهات معينة، فإذا أرادوا توجيه الرأي العام المحلي أو العالمي نحو قضية معينة أو موضوع خاص فإن تلك الأبواق تتحرك وتقيم الدنيا وتجعل من الموضوع والقضية أمراً إنسانياً والإهتمام به واجباً أممياً، أما إذا أراد الجالسون في الغرفة السوداء تشويه الأمر فحينئذٍ تقوم وسائل الإعلام تلك باستضافة المحللين ونشر التقارير وحتى فبركة الأكاذيب من أجل تشويه الصورة لدى الرأي العام، وفي مرحلة ثالثة تقرر المجاميع السياسية التي تجلس خلف الشاشة التعمية على خبر معين لاقتضاء المصلحة فإنها عند ذاك تقوم في المرحلة الأولى بحجب الخبر والحؤول دون تسرب أنباء وصور الحدث إلى العلن، وإن لم تتمكن من الحجب والتستر فإنها تعمد إلى نشر الخبر بصورة عابرة وفي سياق لا يترك أثراً على المشاهد والمستمع.
– أنظروا إلى القنوات الإعلامية والصحافة في الغرب، والتي تظهر أنها تتصرف بحرية وتنقل الأخبار بشفافية، لكنها في الحقيقة تخدم السياسة لدى المجاميع التي تدير هي في الحقيقة السلطات الحاكمة في تلك البلاد؛ فحين تريد تحريك عواطف الرأي العام تجدها تجعل من صورة جثة طفل سوري قذفته أمواج البحر إلى الساحل مقدمة لفتح ابواب الدول الأوروبية أمام ملايين النازحين السوريين، لكن صور آلاف الأطفال الذين يموتون بفعل الحصار الظالم في اليمن نجدها لا تحرك عواطف العالم ليطالبوا بوقف الحرب المجنونة على الشعب اليمني المظلوم، بل نرى الدول فرادى وجماعات تُصدر كل يوم قرارات ضد المستهدفين بالعدوان، فالذين هم أهل الأرض يُدانون لأنهم يدافعون عن أرضهم وبلدهم بأبسط الوسائل أما الذين لا يجدون موطئ قدم لهم في اليمن يقال أنهم يمثلون الشرعية فيه، كما أن قتل الصهاينة للفلسطيني الأعزل كل يوم وبدم بارد لا يحرك الضمير الإنساني، بل يكون أمراً مقبولاً عند الرأي العام العالمي لأنه ” يأتي في سياق الدفاع عن مواطني دولة ذات سيادة “.
– ثم إن الجميع شاهدوا بكل وضوح كيف كان التعامل الأمريكي مع موضوع قتل جمال خاشقجي بأبشع طريقة، حيث كانت وسائل الإعلام العالمية تتعاطى مع الجريمة الوحشية خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الخلف، وفي مقابل العقود العسكرية بمئات المليارات تم تهميش القضية ثم التغاضي عنها، واليوم نرى الذين جعلوا من قتل خاشقجي قضيتهم الأساسية إذا بهم يحاولون تناسي الموضوع والتعامل مع المتهمين بالجريمة بسبب حاجتهم إلى النفط بعد حدوث الأزمة مع روسيا، بل إن أمريكا التي بذلت كل جهودها للإطاحة برئيس جمهورية فنزويلا مادورو لكن في لحظة يتوجه وفد رفيع المستوى منها إلى العاصمة كاراكاس ويفكون الحظر عن التعامل مع الرئيس الذي رفضوا حتى الأمس الإعتراف بشرعيته وذلك طلباً للنفط الذي منعو فنزويلا عن استخراجه والإستفادة منه لصالح شعبه، ما اضطر الجمهورية الإسلامية في إيران لتحمل المخاطر وإيصال مادتي البنزين والمازوت إلى هناك في تحدٍ كبير للأساطيل الأمريكية؛ بل إن أصواتاً ارتفعت في الولايات المتحدة منذ عدة أيام تطالب بحل الخلاف مع إيران في أسرع وقت بغية الاستفادة من صادراتها النفطية بعدما كانت الولايات المتحدة في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد فرضت أشد العقوبات في التاريخ على إيران حسب قوله.
– أما الحدث المفجع الجديد والذي نرى وسائل الإعلام والأبواق الغربية قد فرضت عليه حصاراً إعلاميا شاملاً وتعتيماً كاملاً فهو قتل أكثر من ٨٠ شخصاً دفعة واحدة في السعودية لا لسبب سوى أنهم أبدوا رأياً يتعارض مع سياسة السلطة الحاكمة وطالبوا بالعدالة المفقودة في البلاد، و ٤١ من هؤلاء الضحايا هم من منطقة القطيف وحدها ومن أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام، فلو أرادوا ذبح ٨١ نعجة لتطلب الأمر وقتاً أطول من قتل هذا العدد من البشر.
– إن الادعاء بأن القتلى من ” أتباع الفكر الضال ” يتناقض مع تأكيدات ولي العهد السعودي باحترام عقيدة الشيعة وانهم جزء من الشعب السعودي، فكيف يمكن الجمع بين القبول بأصحاب العقيدة والقتل الجماعي للمنتسبين إلى تلك العقيدة بتهمة الإنتماء إلى الفكر الضال ؟!.
– إن انتخاب الوقت لارتكاب هذه المجزرة الوحشية من جانب السلطات الوهابية في السعودية كان في منتهى الخبث حيث الرأي العام الغربي مشغول بمتابعة أخبار أوكرانيا، ودول الغرب تتوسل بأي طرف لتأمين البديل عن النفط والغاز الروسيين، وبسبب الإرتفاع الجنوني لسعر النفط الخام في العالم وأسعار الوقود في الولايات المتحدة والدول الغربية عموماً ما يخلق حالة من الغضب الشعبي ضد الإدارات الحاكمة في أمريكا وعموم أوروبا، وهذا ما سيستفيد منه خصومهم في حملاتهم الإنتخابية؛ فلا نشر للخبر عن الجريمة الكبرى في السعودية ولا تصريح إدانة من مسؤول أمريكي وغربي، ولا حركة للجنة حقوق الإنسان ولا موقف من جانب المؤسسات الدولية وفي مقدمها محكمة الجنايات الدولية، بل صمت كامل وتعمية شاملة للجريمة السعودية الوحشية.
– أما لو كان هذا الحدث قد وقع في إيران مثلاً فإن وسائل الإعلام الغربية كلها لم يعد لها أي شغل سوى تسليط الضوء على الخبر والتوسع فيه ونشر التقارير عن الفاجعة الأليمة، ثم تتوالى بيانات الإدانة من كل حدب وصوب، وتتحرك فوراً محكمة الجنايات الدولية وتعقد اجتماعاً بل اجتماعات متعددة لتصدر بعدها بلاغاً بملاحقة بالذين لهم دور مفترض في الجريمة.
– إن الجرائم التي تُرتكب هذه الأيام في أوكرانيا على يد الجيش الروسي هي مدانة دون أدنى تردد، لكنها تقع في إطار الحرب، أما الذين تم إعدامهم في السعودية قبل يومين فإنهم لم يقوموا بأي عمل عسكري أو نشاط مسلح، بل إن فيهم من لم يتجاوز عمره حين اعتقاله الـ ١٣ لكنهم احتفظوا به سنوات في السجن حتى بلغ الـ ١٨ فقاموا بإعدامه قبل يومين مع المعتقلين الآخرين.
– إن تزامن الأحداث في أوكرانيا والعدوان المستمر على اليمن وارتكاب المجزرة البشعة في السعودية تفضح حقيقة الضمير العالمي الذي يغفو ويستيقظ بحسب إرادة أصحاب القرار في البيت الأبيض وقصر الإليزة ومقر رئاسة الوزراء في لندن؛ ولا تهمّ لدى هؤلاء حقيقة الأمر ولا هول الفاجعة ولا بشاعة الجريمة، فلا يجوز أن يأمل العالم من المؤسسات ” الإنسانية ” هذه موقفاً إنسانياً، ولا من المدافعين عن حقوق الإنسان تحركاً للدفاع عن حقوق هؤلاء ” الإنسان “، بل يجب تطبيق مبدأ ” ما يحكّ ظهرك غير ظفرك “، ولا فائدة من عقد الآمال على الرأي العام العالمي والضمير الإنساني الذَين يحركهما أصحاب المصالح كيفما يشاؤون ويوجهونهما بالإتجاه الذي يريدون، ويديرونهما كيفما تؤمَّن مصالحهم تحت شعارات كاذبة وبواسطة جنود مخدوعين ومرتزقة يتم استقطابهم من أطراف الأرض، هذا عند إشعال الحروب، أما في مرحلة إعادة البناء فإنهم هم أيضاً يكونون المستفيدون من العقود الضخمة التي تبرمه شركاتهم التجارية وتكون الأرباح الطائلة من نصيبهم، ويكون الضحية الشعب المخدوع.
– إن المطلوب اليوم تكاتف من تبقى من أصحاب الضمائر الحية في العالم والتحرك بكل ما أوتوا من القوة لوقف الممارسات السعودية الإجرامية، وفضح حفيقة النظام السعودي القائم على سفك الدماء وارتكاب المجازر منذ يوم التأسيس وختى اليوم، ولا يجوز التواني والتكاسل في أداء هذا الواجب، لأن الأنظمة المجرمة على اختلاف ألوانها وأسمائها لا تتوقف عن إجرامها إلاّ حين ترى الضغط عليها كبيراً، وأصابع جميع العالمين تشير إليها، اما إذا اكتفى الناس بإصدار بيانات الشجب والإستنكار وعرف المجرم أن عمله لا يتم التعامل معه بحزم وأن أداءه لا يمنعه بالفعل مانع، فإنه يتمادى في إجرامه بل يوسع الدائرة يوماً بعد يوم.
– إن ما شاهدناه من المجزرة الوحشية للنظام السعودي بحق أبناء القطيف الأوفياء لمذهب أهل البيب عليهم السلام بالأمس لهو أوضح دليل على أن الطغمة الوهابية الحاكمة وعلى رأسها محمد بن سلمان لا ترى جدية في تعامل العالم مع جرائمها المتعددة؛ فهي تتصرف كما يحلو لها، أما لو كان العالم تعامل بصرامة ولو لمرة واحدة مع الأسرة السعودية لما تجرأت على الإستمرار في ممارساتها بحق الشعب المظلوم في شبه الجزيرة العربية واليمن وغيرهما، إذ ليست هذه الجريمة الوحشية الأولى من نوعها، ولا مسلسل قتل الأبرياء بالتهم الواهية أمراً مستغرباً عنها.
– لكن أمل المؤمنين في كل عصر وزمان ليس بالطواغيت بل هو دائماً برب العالمين الصادق الوعد الذي قال في محكم كتابه : { ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون } صدق الله العلي العظيم.
– السيد صادق الموسوي