# وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية
– العالم كله هذه الأيام مشغول بتطورات الغزو الروسي لأوكرانيا، وكيف يتابع الجيش الروسي تقدمه والجيش الأوكراني يواصل مجابهته ، والشعب الأوكراني الذي كان يحلم بالسعادة بعد خلاصه من الحكم الشيوعي، وذلك عبر اتخاذه النظام الرأسمالي الغربي أسوة ومثالاً، والإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي أملاً، وإصراره على عضوية حلف شمال الأطلسي مطلباً، وعقب مسارعته إلى القبول بالكيان الصهيوني الغاصب، وبعد انتخابه يهودياً يحمل الجنسية الإسرائيلية رئيساً؛ لكن بين عشية وضحاها ذهبت كل أحلام الحكم الأوكراني هباءً، وتفرق الشعب الأوكراني في الفيافي أشتاتاً يبحث كل فرد منه عن ملجأ يحميه أو دولة يلوذ إليها.
– إن قراءة الأحداث انطلاقاً من لحظة انفجارها لا تؤدي إلى استنتاج صحيح، لأن كل حدث له مقدمات وأسباب، وبدون تلك المقدمات والأسباب لا يقوم أي عاقل بخطوة صغيرة في حياته، فكيف باتخاذ قرار الحرب من جانب رئيس دولة عظمى أثبت فيما مضى أنه قادر على لملمة الأوضاع المتدهورة بعد انهيار الإتحاد السوفياتي وتفتت أجزائه، واستعادة المكانة الروسية على الصعيد العالمي، بل واستطاع حلّ التنازع الروسي ـ الصيني القديم منذ أيام نيكيتا خروتشوف وماو تسي تونغ، وكذلك إعادة الكثير من الدول التي أعلنت إستقلالها بعد تفكك النظام الشيوعي إلى كنف قيادة الكرملين أو جعلها قريبة منها.
– إن شخصية الرئيس الروسي بوتين هي شخصية رجل استخبارات محنك تربى في المدرسة السوفياتية، وكان رجلها الأمين في عاصمة ألمانيا الشرقية قبل انهيارها، وكانت مهمته لسنوات مواجهة مختلف أجهزة الإستخبارات الغربية المعششة في برلين الغربية وإدارة الحرب مع الأجهزة تلك، وعليه فمن المفترض أنه يعرف تماماً نقاط القوة والضعف وخبايا الأمور لدى مراكز القرار في الدول الغربية، وهو من خلال اطلاعه وخبرته هذه تمكن من قلب الأوضاع داخل بلده وأيضاً استرداد موقع روسيا على الصعيد العالمي.
– ثم إن غزو أوكرانيا ليست الخطوة العسكرية الأولى للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فمن قبل كان التدخل في ” جورجيا “ وتقسيمها واقتطاع ” أبخازيا “ منها، وبعد ذلك كانت السيطرة على منطقة ” القرم “ وإلحاقها بروسيا، ثم التدخل العسكري في سوريا وإفشال جميع المخططات الغربية ـ العربية الرامية إلى إسقاط حكم الرئيس بشار الأسد بالتعاون والتنسيق مع الجمهورية الإسلامية في إيران.
– إن معرفة حقيقة شخصية الرئيس الروسي هي المقدمة لتحليل الأحداث الماضية والحالية والمستقبلية على الصعيد العالمي، وإن التحليلات السطحية والقراءات غير المعمقة لا تؤدي إلى استنتاج صحيح لتلك الأحداث.
– إن روسيا من حيث المساحة هي أكبر دولة على الأرض، وإدارة هذه الدولة المترامية الأطراف تحتاج إلى نظام حكم قوي يمكنه السيطرة على تلك المساحة الشاسعة جداً.
– ويبدو في الوهلة الأولى أن الذي يقود الآن هذه الدولة بطولها وعرضها لا يُعقل أن يطمع بأي شبر آخر من الأراضي، خاصة وأنه لا يحمل فكراً عالمياً شمولياً كما كان الزعماء الشيوعيون من قبل، لكن الواقع أن غريزة الطمع موجودة في ذات الإنسان، فهو دائماً يحرص على كسب المزيد من الثروة إذا كان يريد الغنى، والمزيد من السلطة إذا كان صاحب حكم، والمزيد من التوسع والسيطرة إذا كان يملك قوة قاهرة تفوق قدرات الآخرين.
– إن رسالة رسل الله سبحانه هي أولاً العمل على تزكية النفوس حتى يتخلى أصحابها عن الجشع والطمع وحب الهيمنة على الناس، فالغني لا يمصّ دماء الناس ليكسب مزيداً من المال، بل يصرّ على كسب المال الحلال وبشكل لا يضرّ الفئات المستضعفة، والحاكم يمارس الحكم على شعبه كالأب الرؤوف وليس كالسبُع الضاري، ويتعامل قائد الدولة القوية مع شعوب الدول الأخرى بروح الأخوة والإحترام لا بمنطق القوة والإستعلاء؛ وهذه المهمة الإلهية كانت رسالة جميع النبيين من آدم حتى النبي الخاتم.
– لكن الواقع الإجتماعي والسياسي في عهد كل نبي كان استغلال الأثرياء لثرائهم كما ” قارون “، واستغلال الحاكمين لسلطاتهم كما ” فرعون ” و ” نمرود “، واستغلال أصحاب العلم والمعرفة لحرف الناس عن المسار الصحيح وتضليل الرعية الجاهلة البسيطة كما ” السامري “.
وكانت المواجهة الأساسية دوماً هي بين كل نبي وبين إحدى النماذج التي ذكرنا، والمشكلة التي كانت تواجه الرسل في أثناء أدائهم المهمة السماوية هي تسليم الفقراء لهيمنة الأغنياء، واستسلام المسحوقين لسلطة الجبابرة، وانسياق العامة وراء أدعياء العلم وعلماء السوء الذين يقومون بمهمة تبربر جشع الأغنياء وإعطاء الشرعية لجور الحكام.
– أنظروا ماذا أجاب النمرود إبراهيم على نبينا وآله وعليه السلام لما قال له: ( ربي الذي يُحيي ويميت ) حيث قال: ( أنا أحيي وأُميت )، وجسّد ادعاءه هذا بأن قتل بريئاً وعفى عن مجرم، أما فرعون فإنه قال: ( أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدين ) حيث افتخر بأنه يستعبد بني إسرائيل، والأمثلة كثيرة لا نريد الإطالة.
– إذن فإن الإنسان الذي لا يزكّي نفسه لا يمكنه كبح جماحها، والحد من أطماعها، وهذه التزكية هي اللبنة الأولى في بناء كيان الإنسان السوي الذي كرّمه الله سبحانه في بداية الخلق، لكن الفرد الشارد من التزكية والخارج من سلطان العبودية لله لا يوزعه وازع ولا يمنعه مانع من فعل ما يحلو له إذا أمكنه، وارتكاب أية جريمة عندما نسنح له الفرصة.
– ثم إن الإنسان الذي لا يسكن الورع صدره ولا يتملك الخوف من الله سبحانه قلبه لا يرى الحق إلاّ ما يهواه، ولا يرى الصحيح إلاّ ما يوافق رغباته ونزواته.
– وكانت مهمة الأنبياء والرسل والصلحاء كلهم طوال التاريخ هي زرع الورع في نفوس الناس حتى يربأ كل فرد من الإعجاب بنفسه، والتكبر على غيره، بل كانوا دائماً يحضّون على التواضع أمام الآخرين، واحترام آراء الغير من المخالفين، وبهذا يرقى الإنسان في المدارج ويبلغ أعلى المراتب.
– أما الجبابرة الذين لا يملك قلوبهم الورع فإنهم لا يتورعون عن فعل أخبث المآثم وارتكاب أبشع الجرائم، وهذا ما نقرأه في كتب التاريخ ونشاهده أمام أعيننا في العصر الحاضر.
– ثم إن الإنسان غير المزكّي نفسه والمتفلّت من عقال الورع من الله لا يفكر لحظة في حقوق الآخرين من بني جنسه، ولا يرى أدنى قيمة لأي إنسان يقف حائلاً دون تحقيق مآربه ورغباته، سواء كان هذا الحائل فرداً أو جماعة أو أمة؛ وهو ينادي بحقوق الإنسان لمّا يناسب الشعار بُغيته ويخدم مصلحته فقط، لكن إذا تعارضت تلك الحقوق مع ما يهواه فإنه يجد لارتكاب جرائمه ألف ذريعة، ولإبادة مئات ألوف الأبرياء في ثوانٍ معدودة ألف تبرير.
– إن تجربة الغزو الروسي لأوكرانيا، ومن قبله تجربة الغزو الأمريكي لأفغانستان وكذلك احتلال العراق، كل ذلك في عصرنا الحاضر، دون أن نذكر من باب المثال الإحتلال الفرنسي للجزائر، والإيطالي لليبيا، والبريطاني لفلسطين في الماضي القريب، وما كان في كلٍّ منها من ارتكاب للجرائم الوحشية بحق الإنسانية، لهي أقوى برهان على أن المستكبرين يجعلون كل الشعارات في خدمة أنفسهم ومصالحهم، ولا صدق ألبتة فيما يُشيعون من ادعاءات، لأن الحقيقة عندهم ما يزعمون، والصحيح في رأيهم ما يريدون، والمصلحة في نظرهم ما يرتأون؛ فالإرهابي الذي يخدم المشاريع الإستعمارية يكون مقبولاً، وهو نفسه إذا تردد في خدمة أسياده يوماً فإنه يتحول مرفوضاً وللعدالة مطلوباً، والعكس صحيح أيضاً، والدولة التي تنصاع لإرادة المستكبرين تكون حضارية وإن كانت ترتكب كل الموبقات ولا فيمة للإنسان فيها، أما إذا انتفض شعبه وطرد الظالم وحقق إرادته بأفضل السُبُل وأدار دولته طبقاً لأرقى معايير الديمقراطية فإنه يواجه عقاباً جماعياً، ويُفرض على دولته حصار عالمي خانق، وتُفرض عليها الشروط القاسية، بل ويُطلب منها التخلي عن أدوات قوتها وأسباب منعتها، وإذا تم الرضوخ للإملاءات، والتخلص من القدرات، كان النكث بالوعود من جانب المستكبرين علانية ونقض العهود من أصحاب القوة جهاراً، ويكون التذرع بأمور واهية مبرراً للإنقضاض على الفريسة وهي مسلوبة القرون والمخالب وعاجزة عن الصمود أمام زحف الجحافل، ولا ينفع يومئذٍ الندم، ولا فائدة حينئذٍ للبكاء والعويل؛ وهذا ما نراه اليوم بأم أعيننا في أوكرانيا التي كانت تملك من قبل القنابل النووية فتخلت عنها، حيث السماء تمطر ناراً والصواريخ المحرمة دولياً تنهال على رؤوس المدنيين، والجنود يزحفون على المدن، ولا قدرة لهم على صدّ الغزاة إلاّ نادراً، أما الغرب الذي حرّض أوكرانيا كثيراً على المجابهة ووعدها بالمساندة بأقوى العبارات وفي عشرات البيانات فإنّا نراه يقف متفرجاً من دون حراك، بل يعلن بكل صراحة أنه ليس بصدد المشاركة عسكرياً في الصراع الدائر هناك، بل يكتفي بإرسال السلاح والعتاد، ويبدي بعضهم استعداده لإجلاء القادة واستقبالهم كلاجئين، أما الشعب الأوكراني المسكين فإنه يئنّ تحت وابل القصف الجوي والبحري والبري، وفوق هذا يأتي التلويح الروسي باستعمال ” أبو القنابل “ في حال لم تُفلح الأنواع الأخرى للقنابل والصواريخ في تركيع الشعب الأوكراني، ويُصدر التهديد بالسلاح النووي لترهيب من يحمي ظهر أوكرانيا من دول أوروبا والولايات المتحدة.
– وقبل سنين غير بعيدة شنّت الولايات المتحدة الأمريكية التي تذرف الدموع اليوم على حرية الشعب الأوكراني حرباً ظالمة ضد العراق بكافة أنواع الأسلحة الفتاكة الموجودة في مستودعاتها وذلك بدعوى كاذبة، ودمرت بقنابلها وصواريخها كل البنى التحتية فيها، وسيطرت على كافة المؤسسات، وعيّنت على العراق حاكماً من طرفها، وفرضت سلطتها على البلاد بالحديد والنار.
– وأمريكا نفسها غزت أفغانستان بذريعة مواجهة القاعدة التي هي صنيعتها، وطالبت برجل اسمه أسامة بن لادن هي أرسلته إلى هناك وسلمته زمام أمور ” المجاهدين “ فيها وأسمته ” شيخ المجاهدين ” ؛ وقد استعملت أمريكا في قصفها بأفغانستان أنواع القنابل المحرمة دولياً، وأيضا ” أم القنابل “، وكان الدمار وقتل مئات آلاف الأبرياء نتيجة عشرين سنة من الإحتلال.
– ثم إن الدول الكبرى المصنّعة لأنواع السلاح تبحث دائماً عن فرصة لاختبار أسلحتها الجديدة ومعرفة مدى قوتها التدميرية ومساحة فاعليتها، ولذلك فهي تفتش عن ذريعة لشن الحروب هنا وهناك كي تتم أثناءها الإختبارات بصورة حيّة، في حين يكون الشعار المرفوع من قبلها هو التحرير، والإدعاء المعلن إزالة النظام الفاسد والحاكم المستبد.
– لكن الحقيقة هي : استبدال جائر مكان جائر، ووضع عميل مستحدث بدل عميل مستهلك، والأبواق المأجورة لدى كل طرف معلِن للحرب تسوّق له تبريراته، وأقلام المرتزقة تغطي له على جرائمه، وليس لكل المعترضين على الحرب المجنونة وإن كانوا بالملايين أثر على قرار الحكام المستكبرين، ولا تبطّئ إدانات جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان جرائمهم بحق الإنسانية .
– حيث رأينا كيف عمّت التظاهرات دول العالم لإدانة الغزو الأمريكي للعراق ولم يأبه الرئيس الأمريكي بها ولم يُعرها أي اهتمام، وها هو الرئيس الروسي بدوره يجتاح أوكرانيا والتظاهرات الداعية إلى وقف الحرب تنطلق في مدن كثيرة ومنها في العاصمة موسكو من دون أن يكون لجميع تلك الأصوات تأثير في قرار إدامة الحرب هذه.
– أما دول العالم التي تكاتفت مع بعضها اليوم وهي تهدد وتتوعد روسيا ومن يوافقها فهي بعد حين تعود إلى صوابها من وجهة نظرها، وتفكر كل دولة في مصالحها، وتعيد حساباتها وترتب أمورها، ويكون الشعب في البلد المستهدف هو الضحية دوماً، والإعلام العميل هو وسيلة الخداع، وأصحاب الأقلام الرخيصة هم الممهدون قبل الغزو، والمبررون للجرائم حين الغزو، والمتسترون على الفظائع بعد الغزو.
– إن استسهال التعدي على الآخرين، والإستهانة بحقوق باقي البشر، والأنانية المتأصلة في النفوس، لا بد من معالجتها بالإلتزام الحقيقي بتعاليم السماء، وتمكن التقوى من الله من القلوب والجوارح، لأن قوانين الأرض تبقى دائماً ألعوبة بيد أصحاب السلطة والمال، والكيل بمكيالين للقوى العظمى واضح أمام أعين العالمين، حيث غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق وأفغانستان عمل مشروع فيما غزو روسيا لأوكرانيا قبيح ومُدان، والأمثلة على ما أوردناه آنفاً كثيرة جداً.
– إن الحرب الدائرة الآن على أرض أوكرانيا يجب أن تنبّه العالمين بأن المعيار يجب أن يكون واحداً في التعامل مع القضايا والأحداث، فإذا كانت الحرب الروسية على دولة ذات سيادة أمراً مداناً ويجب تحشيد الرأي العام العالمي للإعلان عن رفضها، فلماذا كان السكوت العالمي على الحروب التي شنّها الصهاينة على قطاع غزة المحاصر برّاً وبحراً وجوّاً، بل وإعطاء مبررات للفظائع التي ارتُكبت هناك من جانب دول تولول اليوم وتملأ الدنيا صراخاً دفاعاً عن الشعب الأوكراني المظلوم.
– ولماذا شارك العديد من الدول التي تبكي اليوم على حال الشعب الأوكراني في غزو العراق، وارتكبت أفظع الجرائم بحق الشعب العراقي، وهل كانت الإطاحة بالمجرم صدام بحاجة إلى قتل مئات ألوف الأبرياء من أبناء الشعب العراقي ؟!.
– أم أن الذين أتوا بالمجرم صدام إلى السلطة وساندوه وغطّوا على جرائمه طوال عقود، بل وقدموا إليه أحدث أنواع الأسلحة الفتاكة من كيماوية وجرثومية وسمحوا له باستعمالها ضد أبناء شعبه الأعزل، وصمّوا آذانهم عن سماع صرخات مئات الألوف الذي دفنهم وهم أحياء في مقابر جماعية لا تزال تُكتشف حتى اليوم في أنحاء العراق، هذا العميل المجرم وجدوا في وقت معين أنه قد قام بالمهام المطلوبة على أكمل وجه، وأن مدة صلاحيته قد انتهت، وأنه يجب إزاحته، فقاموا بشنّ الحرب المجنونة متذرعين بادعاءات كاذبة تم الإعتراف بكذبها من قبل من تذرعوا بها، واستعملوا أثناءها أفتك الأسلحة وأكثرها تدميراً ضد المواطنين العزّل، لكن أحداً لم يطالب بمحاكمة الذين جرّوا الويلات على المنطقة كلها بناءً على أكذوبة، والذين أدانوا مجرماً بفعلة هم قدموا له مواد الإجرام بعدما غطّوا لمدة سنوات تلك الجرائم.
– وفي أفغانستان أيضاً أتت امريكا وزمرتها من الدول التابعة باسم محاربة الإرهاب وفتكت بالشعب المسكين، لكنها دخلت بعد ذلك في مفاوضات مع ” الإرهابيين ” أنفسهم وسلّمتهم البلاد على طبق من ذهب وولّت هي هاربة وبالعجل، ولم تهتم هذه الدولة المنادية بحقوق الإنسان حتى بأمر من تعاونوا معها وساندوها، بل كانت الأولوية عندها للكلاب التي كانت بحوزة جنودها، فنقلوها إلى الطائرات أولاً، وألقت بالذين تعلقوا طلباً للخلاص بعجلات طائرة الشحن وذلك بعد إقلاعها وارتفاعها في السماء فنزلوا إلى الأرض أشلاء متناثرة، لكن أحداً لم يُصدر بيان إدانة ولم يُحاكم الطيار الذي ارتكب الجريمة.
– وأثناء الحرب الظالمة على الجمهورية الإسلامية في إيران أيضاً تمّ عن سابق تصميم إسقاط طائرة مدنية كانت تسير طبقاً للبرنامج المحدد المعتاد بين ” بندر عباس ” الإيرانية و” دبي “، وقتل جميع ركابها المدنيين البالغ عددهم ٢٩٠ شخصاً، وذلك من قبل إحدى قطع البحرية الأمريكية لكن الذي أطلق النار أُعطي وساماً رفيعاً تقديراً له بدل أن تتم محاكمته وعقابه.
– الخلاصة : أن الغزو الروسي لأوكرانيا فتح الباب أمام الجميع ليراجعوا أنفسهم ويعيدوا ترتيب أولوياتهم، فهذا الذي نراه في العالم الغربي من التكاتف ضد روسيا بدعوى الإلتزام بالقيم والدفاع عن الحق واحترام حقوق الإنسان والإلتزام بسيادة الدول ضمن حدودها المعترف بها دولياً لهو أمر جيد، لكن هذا العالم نفسه لا يعنيه ما يرتكبه الصهاينة كل يوم من جرائم بشعة في أنحاء فلسطين، ولا يرى ناظره قتل الشبان الفلسطينيين بأيدي الجنود الصهاينة بدم بارد في وضح النهار وأمام كاميرات وسائل الإعلام، و أيضاً أسر الأطفال والنساء لعدة سنوات من دون محاكمة وليس لهم ذنب سوى أنهم متمسكون بأرضهم التي ورثوها من أجدادهم ويواجهون الذين يريدون اغتصابها منهم بالقوة والإرهاب.
– ولا يحرك ضمائر العالمين ما يحدث من إجرام بحق شعب اليمن الفقير طيلة أكثر من ٨ سنوات بل تُرتكب كل الجرائم هناك بتنسيق كامل ومن خلال غرفة عمليات عسكرية واحدة مع الأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين، ويتمّ تأمين أكثر أنواع السلاح فتكاً وتدميراً من مستودعاتهم للمعتدين، لكنهم يُصدرون القرارات الدولية تباعاً لمنع حصول المدافعين عن بلدهم على السلاح اللازم لمواجهة العدو وطرده من أرضهم.
– إن عالم اليوم مع الأسف الشديد هو غابة وشريعتها: القوي يفترس الضعيف، والسبُع يأكل الوديع، والقوانين في هذا العالم يسنّها الأقوياء ثم ينقضونها، والرادع من الضمير لدى قادته مفقود، والخوف من الله عند زعمائه غير موجود، والقيم الإنسانية والأخلاقية لا احترام لها، والشعوب المستضعفة تبقى وسيلة لاختبار أدوات القتل ووسائل لكشف مفاعيل الجديد من أنواع السلاح.
– وفي كل مرة يخدعون شعباً ويوهمون أمة، ويوسوسون في صدور أناس في بقعة من الأرض؛ وهذا نفسه ما فعله إبليس اللعين في بدء الخلق بأبينا آدم عليه السلام بعد أن قال له ربه : { يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما } ، وبعدما ضمن الله له البقاء والخلود والسعادة بقوله : { إنك لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى، وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى } ، وحذّره في نفس الوقت من الشيطان وكيده بقوله: { فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يُخرجنّكما من الجنة فتشقى } ، لكن آدم وزوجته انخدعا بقول إبليس لما غرّهما وبأدائه القَسَم بالله كذباً إذ : { قاسمها إني لكما لمن الناصحين } ، وأيضاً عندما استطاع دغدغة مشاعر آدم بقوله: { فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلّك على شجرة الخُلد ومُلك لا يبلى } ..؟ ، فكانت النتيجة : { فأزلّهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدوٌّ } .
– إن الله سبحانه يخبرنا بتلك الحقيقة بالتفصيل وفي سُوَر وآيات عديدة ثم يقول: { يا بني آدم لا يفتننّكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ويُرِيَهما سُوْآتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم } ، ثم يعقّب بقوله : { إن الشيطان لكم عدوّ فاتخذوه عدوّاً } ، ثم يوضح لنا في آخر سورة من القرآن الكريم أن الشياطين الذين يوسوسون في صدور الناس هم : { من الجِنّة والناس } ، ويخبرنا الله عزّ وجلّ أيضاً : { إن الشياطين لَيوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم } ، مؤكداً أن: { شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً } .
– وهذه مع الأسف سيرة الشياطين من بدء الخليقة حتى يومنا هذا، وهذه دوماً نتيجة الانخداع بكيد شياطين الجن والإنس، والإنجرار وراء الأنفس الأمّارة بالسوء في كل عصر ومصر؛ فلنستعِذ جميعاً بالله عزّ وجلّ ، ونحن في أيام ذكرى بعثة النبي صلى الله عليه وآله والإسراء والمعراج ، وعلى أعتاب حلول شهر رمضان المبارك شهر السيطرة على النفس ومقاومة الأهواء والورع عن المعاصي والتقرب إلى الله، لينقذنا الرحمن من شرور أولئك جميعاً إنه على كل شيء قدير.
– السيد صادق الموسوي :