#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية
– في جميع دول العالم عندما يعمّ الفساد ينتفض الناس على الفاسدين ، وعند مختلف الشعوب لما يعمّ الظلم يثور الناس على الظالمين، وفي كافة البلاد إذا اشتد جور الحكام على الرعية هبّ المظلومون على الجائرين، وفي عموم الديار إذا طغى الولاة توحد الشعب ليطيحوا بالطغمة الحاكمة، وفي منطق جميع الأمم لما يتفشى السرطان ويهدد صاحبه بالموت يتمّ استئصال الغدة السرطانية، إلاّ في لبنان؛ حيث الشعب يرى بأم عينه الفساد ولا يثور عليه، ويمرّّ من أمام الناس رموز الفساد فيقفون أمامهم إجلالاً، ويشاهد الفقراء ناهبي أموالهم أمام نواظرهم فيصفقون لخطاباتهم، وتكوي نار الظلم عامة الشعب فيبتسم لمن يظلمه، ويسحق الحكام بأرجلهم الناس المساكين فينتخبونهم مرة جديدة، ويعرف الجميع كذب المرشحين للنيابة في شعاراتهم ونكثهم لجميع عهودهم بعد نيل مناصبهم، لكنهم مع ذلك يتحمسون لهم، ويعلم الناس جميعاً مدى إجرام أصحاب القرار في البلد بحق الوطن والشعب لكنهم يتعصبون لهم، ويقرّ كل اللبنانيين بأن الطغمة الحاكمة بمختلف ألوانها وأشكالها وطوائفها وأحزابها وتنظيماتها متشاركة في السرقة لكن كل طائفة تتشبث بالمجرم الذي ينتسب إليها وتدافع بكل شراسة عن الحرامي من طائفتها !.
– أنظروا إلى شعوب العالم كيف ثارت لما ظلمها الحكام، وأطاحت بالأنظمة لما مارست الجور بحق المواطنين، وقلعت السلطات من جذورها لما سرقت أقوات الفقراء من حلوقهم، وهذه هي الفطرة الإنسانية التي فطرها الله سبحانه، بل الغريزة لدى كل حيوان ولو كان أليفاً وضعيف القوة مقابل الأقوى منه والأشرس، فالهرّة الهادئة مثلاً إذا حشرناها في الزاوية تأخذ حالة هجومية، والدجاجة إذا هددها أو حاول ثعلب أو غيره اصطياد إحدى صيصانها فإنها تستشرس وتستعمل كامل طاقتها لدرء الخطر عن نفسها والدفاع عن صيصانها، والأمثلة كثيرة لا حاجة لذكر أكثر مما أوردنا.
– إن الشعب اللبناني اليوم لا يجد المال ليشتري ربطة خبز لإطعام نفسه وعياله لكن المُعدَم يهرب من البلد تاركاً المجال مفتوحاً أمام السارقين ليتحكموا بأمور البلاد أكثر، والأعجب أنه بعد هروبه أيضاً ولجوئه إلى أي بلد يؤمّن له لقمة الخبز يبقى يدافع عن السارقين كلٌ بحسب طائفته، فالماروني يدافع في المهجر عن السارق الماروني والمجرم الماروني والقاتل الماروني والعميل الماروني، وهو بعد أيام يريد التصويت له من مهجره وانتخابه نائباً عنه في البلد الذي هاجر منه وهَجَره ، والسنّي الذي بذل كل جهده ليجد ملاذاً في أي بلد ويعمل بعرق جبينه ليكسب قليلاً من المال لإسعاد أسرته يتحمس أيضاً لنفس الشخص والأشخاص الذين تسببوا في تركه وطنه بحثاً عن قرش حلال في أطراف الدنيا، والشيعي بدوره طرق كل الأبواب واستعمل جميع الوسائل ليخرج من لبنان إلى أي مكان في العالم حتى إلى غابات الآمازون ليتمكن من كسب المال وتأمين قوت عائلته، لكنه في وسط الغابات أيضاً تراه يتعصب لمن تسبب في فقره وضعفه وهوانه بدل أن يترك العصبية لهذا وذاك وهو في بلده، ويتحرر من الولاءات الكاذبة، ويقلب الطاولة على رؤوس الممسكين بقراره والمحتكرين لتمثيله والمشاركين في نهب ثروات بلده، ويتذكر أن من يتحكمون به اليوم لم يكونوا قبل ذلك من قادة الدفاع عن المحرومين ولا من رواد مقاومة المحتلين، بل إنهم جلسوا على سفرة ممدودة وهم يحتكرون الطعام الموجود عليها، وهم صادروا جهود المخلصين من قبلهم ونصّبوا أنفسهم أصحاب القضية زوراً، معتمدين في ذلك على رضوخ الناس، وقبولهم الواقع، وتناسي الحقائق، والإنجرار وراء المال ، والإنسياق خلف الإعلام، ثم ترى كل طرف من هؤلاء وأولئك يتباهى بالثقافة والرقي والإيمان، ويستند في تبرير موقفه إلى واقعة في التاريخ أو فعل صادر من النبي صلى الله عليه واله أو أحد الأئمة المعصومين عليهم السلام في ظرف خاص ولضرورة معينة، وكأنه يرفع التابعُ زعيمه إلى مصافّ خاتم النبيين والأئمة المعصومين أو أنه يُنزّل أولئك الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً إلى مستوى من تاريخهم مليء بالأخطاء والمعاصي وارتكاب الجرائم بحق عباد الله المؤمنين !.
– والعجب كل العجب أن المسحوق يفاخر بحاله فيستمر الجائر في جوره دون وجل، والفقير يرى فقره نعمة فيبقى سارق قوته مطمئناً على تفسه آمناً من أن الفقراء لا يثورون ضده، بل إن هذا النائم يكيل الإتهامات لمن يريد إيقاظه من سباته العميق، ويوجّه السباب لمن يحاول لفت انتباهه إلى حيث تكون سعادته، ويشتم الذي يعمل بجد من أجل فضح الذين يسرقون وينهبون ويخدعون ويكذبون، وهو يبرر لأولئك سرقتهم ونهبهم، ويُنكر بكل قوة أنه مخدوع بمعسول كلامهم، وواثق ومصرّ على تصديق أكاذيبهم.
– إن الله سبحانه قد ذكر في كتابه المجيد نماذج كثيرة من أساليب تحكّم الجبارين بمصائر العباد وإصرار المستعبَدين على البقاء في أسر المستعبِدين، حيث قاوم المقهورون طوال العصور دعوات رسل الله لتحريرهم من أغلال الظالمين، بل وانحازوا إلى طرف فرعون الطاغي في عصر موسى الكليم عليه السلام، وأيدوا نمرود المتجبر في عصر إبراهيم الخليل عليه السلام، وتعصبوا لهُبَل في عصر محمد الحبيب صلى الله عليه واله، بل كان كثيرون من المتعصبين ( يقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ) وذلك كرمى لعيون السلاطين الذين يجعلون من أنفسهم ( ربكم الأعلى )، بل يقولون وبكل وقاحة: ( ما علمت لكم من إله غيري )، بل يقولون: ( أنا أُحيي وأُميت ).
– وفي أحسن الحالات كانوا يقولون للأنبياء: ( إذهب انت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون )، لأن منطق عامة الناس هو: ( أنّى يكون له الملك ولم يُؤتَ سَعَة من المال )، وبهذه العقلية المتخلفة يستند فرعون فيقول: ( أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تُبصرون )، فيستجيب له قومه ويقبلون منطقه لأنه قد استخف بعقولهم كما جاء في القرآن الكريم: ( فاستخفّ قومه فأطاعوه )؛ لكن هؤلاء الناس يصفهم الله بقوله: ( إنهم كانوا قوماً فاسقين ).
– أما خاتم النبيين صلى الله عليه واله فإنه كان أشد رسل الله معاناة من قومه حتى قال : ” ما أوذي نبي مثل ما أوذيت ” ، بل تواطأ الذين أراد تحريرهم من عبادة الأصنام وهدايتهم إلى النور والصراط المستقيم ليقتلوه، ما اضطره إلى اللجوء إلى ” الطائف “ لعله يجد من يلوذ به، لكنهم طروده من مدينتهم؛ وأخيراً هاجر من وطنه إلى ” يثرب “ حيث وجد هناك بعض الصالحين الذين آمنوا به وآزروه، لكن عُبّاد الأصنام هؤلاء لم يتركوه وشأنه بل شنّوا عليه الغارات والحروب وحاكوا ضده المؤامرات، وتكالبوا عليه مع عموم المتضررين، حتى جاءه نصر من عند الله العزيز القدير فهُزموا في الحروب وفشلوا في الغازات، وأدركته العصمة الإلهية من الناس فأمِن كيد الكائدين ونجا من مؤامرات المنافقين، بل إن من هاجروا من المسلمين بعيداً إلى ” الحبشة “ حفظاً على حياتهم وحفاظاً على عقيدتهم فقد ذهب المشركون ليستردّوهم من ملكها، وليمارسوا عليهم التنكيل والقتل دفاعاً عن الأوثان التي يعبدونها من دون الله.
– إن غالبية الشعب اللبناني اليوم نراه غير بعيد عن أولئك الذين أطاعوا فرعون لأنه استخفّ بهم، واستند إلى كونه يملك مصر والأنهار تجري من تحته فرضوا بسلطته، ولأنه استعان بالسحرة الذين سحروا أعين الناس والمتلاعبين بعقول البسطاء فاقتنعوا بعظمته، حيث ( قالوا بعزة فرعون إنّا لنحن الغالبون )، وألقوا حبالهم وعصيّهم فخُيَّل للناس أنها تسعى، والمتعصبون في كل طائفة ومذهب وحزب وتنظيم اليوم هم مثل أشباههم في سالف الزمان الذين تنادوا ضد إبراهيم خليل الله نصرة للطاغية نمرود المتلطي وراء الأصنام وقالوا: ( حرّقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ) ، بل لحقوا السامري وعِجله و ( قالوا هذا إلهكم وإله موسى )، وتخلّوا عن عيسى روح الله وتآمروا عليه ليقتلوه، وأخذوا الحواريين من تلامذته ليسلموهم إلى ملك الروم الطاغية فيقضي عليهم، وتواطأ أربعون رجل من أربعين قبيلة من مكة ليقتلوا محمداً المصطفى الذي جاء لَـ ( يضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ).
– إن ما أورده القرآن عن الأمم السابقة، وتكراره قصص الأنبياء مع أقوامهم، وسرده ما فعل الطغاة لتكريس سلطانهم، وبيانه مآل الذين رضوا بالضلال، وقبلوا بالطغام، وكفروا بالهدى الذي جاء به رسل الله، كل ذلك لتؤخذ منها العِبَر، وتحذر الأمم الآتية تكرار خطأ الأسلاف وسلوك نفس الطريق المؤدي إلى الهلاك، ولذلك يكرر الله سبحانه بعد ذكر كل واقعة: ( كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون )، و ( كذلك يبيّن الله لكم آياته لعلكم تعقلون ) و ( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب )، ( إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار ).
– إن ما يُحاك من مؤامرة خبيثة ضد من تبقّى من اللبنانيين في وطنهم هو الضحك عليهم من جديد، وإلهاؤهم بـ ” مسخرة “ الإنتخابات النيابية، والإيهام بأن الترياق يأتي من صناديق الإقتراع في ظل النطام الفاسد العفن، وكل فريق يبتدع وسائل خاصة به لحشد المؤيدين؛ فمنهم من يتأبط الإنجيل، ومنهم من يتلطى خلف القرآن، ومنهم من يعد بالإنفراج إذا فاز، ومنهم من يلوّح بالمخاطر في حال الخسران، ومنهم من يحذّر من مؤامرات الإستكبار ضده لمنعه من كسب المقاعد، ومنهم من يستخدم دماء الشهداء الأبرار لحثّ الناس على التصويت له، ومنهم من يستصدر الفتوى من هنا وهناك لفرض التأييد له، ومنهم من يُعلن التكليف لاستقطاب المؤمنين نحوه.
– لكن الحقيقة التي يجب أن نعلنها بكل وضوح أن المقصود هو تعويم النظام الفاسد، وإحياء الدولة الظالمة، وتكريس الكيان الجائر، وتلميع صورة الناهبين أنفسهم، وإعطاء الشرعية للفاسدين دون غيرهم، والله سبحانه يقول في كتابه لمن يئنّون من ظلم الظالمين ويتألمون من جور الجائرين: { إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم } صدق الله العلي العظيم .
– السيد صادق الموسوي