#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية
– لقد مرّ خبر يكاد لا يتجاوز سطراً واحداً في بعض وسائل الإعلام اللبنانية مفاده أن ” وكيل الخزانة الأمريكية ترأس اجتماع جمعية المصارف اللبنانية “.
– إن الأمر يحتاج إلى التمعن فيه من جوانب عديدة .
– أولاً : إن الولايات المتحدة الأمريكية التي تدّعي حماية حق الشعوب في تقرير مصيرها كيف تقرر أن يكون شخص من طرف دولتها حاضراً في اجتماع ممثلين للقطاع المالي في دولة أخرى مستقلة، إلاّ أن تقول أن حق تقرير المصير لا يشملها، فالمطلوب في قاموسها استقلال مختلف البلاد عن تدخل كافة دول العالم في شؤونها باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية التي من حقها التدخل الواضح والفاضح في كل صغيرة وكبيرة من الشؤون الخاصة للدول والشعوب وحتى الجماعات ولعل الأفراد أيضاً.
– ثانياً : كيف لأعضاء جمعية المصارف ” اللبنانية “ وأركّز على ” اللبنانية “ أن يقبلوا بمشاركة طرف أجنبي في اجتماعاتهم الخاصة، وأن يطلع على قراراتهم التي لها علاقة بالسياسة المالية في ” لبنان “ دون غيره، والأخطر إن يكونوا هم من دعوه إلى حضور الإجتماع.
– ثالثاً : إن النظام المالي في لبنان قائم على السرية المصرفية، والناس يودعون أموالهم في البنوك إعتقاداً منهم أن المصرف المعتمد يحافظ على السرية، وأنه لا يكشف للآخرين بأي حال المبلغ الموجود لديه وحركة الإيداع والسحب الخاص بهم لأحد، وإن إدخال الأجنبي والأمريكي على وجه الخصوص إلى موضوع يتعلق بحركة أموال الناس هو خرق لقانون السرية المصرفيه وخيانة لثقة المودعين.
– رابعاً : إذا كانت الدعوة لكون الولايات المتحدة الأمريكية دولة عظمى وعليه فإنه يحق لها ما لا يحق لغيرها، فإن روسيا الإتحادية أيضاً دولة عظمى على قدم المساواة مع أمريكا وأيضاً الصين دولة عظمى لها قوتها وسطوتها، فليكن الحضور مشتركاً ، حيث يترأس الأمريكي والروسي والصيني معاً جلسات جمعية المصارف اللبنانية ليكون التوازن بين الدول العظمى الثلاث، ولكي لا يقول أحد إن لبنان مستعمرة أمريكية والمسؤولين فيه هم عملاء طيّعون لها لا إراده لهم ولا كرامة لديهم.
– خامساً : بعد انتشار خبر مشاركة وكيل وزارة الخزانة الأمريكية وعدم صدور أية اعتراضات من قبل أدعياء السيادة وبيانات إدانة من جانب المطالبين بعدم تدخل الأجنبي في شؤون لبنان يفسح المجال لدول أخرى يمكنها الحضور عبر تحالفات مع طائفة أو حزب أو تنظيم وادعائها مسؤولية الدفاع عن الطائفة والتنظيم والحزب، وعند ذلك يكون لبنان بلداً سائباً تنهش لحم أبنائه الذئاب الكاسرة، وتتكالب السباع الجائعة على جثة مواطنيه، ولا يمكن لأحد في هذا المجال أن يدعي الطُهر، ويزايد على غيره في الوطنية؛ فمن يتهم طرفاً بأنه مرتزق لسفارة أجنبية هو أيضاً يأخذ كافة إمكانياته من سفارة دولة أجنبية أخرى، ومن يشتم خصومه بسبب الإرتهان للخارج هو أيضاً تُقرَّر قراراته الإستراتيجية في السفارات الأجنبية، ولكن ألوان وأشكال أعلام الدول فقط مختلفة، فهذه الطائفة وتلك المجموعة تقبض أموالاً من هذه السفارة وتتبع تعليمات أصغر موظف فيها، فيما طائفة أخرى وحزب آخر يأتيهما المال من سفارة أخرى وعليه يكون لزاماً عليهما تلقي الأمر بما يلزم فعله وما يجب التصريح به من الموظف المختص هناك.
– إن ارتهان مختلف الطوائف اللبنانية لإرادات الدول الخارجية يقرّ ويعترف به كل لبناني مع الأسف الشديد، ولعله يرى ذلك أمراً لا مفرّ منه في الواقع اللبناني الذي بُني كيانه من قبل المحتل الفرنسي، ورُسمت حدوده بإرادة المحتل الفرنسي أيضاً، وفُرض نظامه الطائفي من قبل المفوض السامي الفرنسي، وقد بلغ الإرتهان للمحتل الفرنسي حد إضفاء لون عبادي أبدي لذلك الإرتهان ، حيث تقام صلاة خاصة سنوياً على نية فرنسا في الصرح البطريركي في بكركي وبرئاسة رأس الكنيسة المارونية في كل عصر ويحضره بصورة دائمة السفير الفرنسي في لبنان، علماً أن فرنسا نفسها دولة علمانية لا تعترف بأي دين ولا تخضع لتعاليم الكنيسة هناك؛ فهل يمكن لأبناء هذه الطائفة مثلاً ادّعاء أن للبنان سيادة واستقلال، والطوائف والأحزاب الأخرى أيضاً مرتهنة بصورة أو بأخرى لهذه السفارة أو تلك، فليقلع الجميع عن التغني بالسيادة وزعم الإستقلال.
– إن رضوخ الحكومة اللبنانية في الفترة الأخيرة لضغط السعودية وإجبار وزير فيها على الإستقالة منها ثم الإعتذار من سلطات السعودية بسبب كلام قاله الوزير لما لم يكن يتوقع إشراكه في الحكومة، والموقف نفسه هذا يعلنه يومياً ولو بعبارة أخرى كل المعنيين بالحرب في اليمن، ثم جاء طلب البحرين ورضوخ وزير الداخلية في الحكومة للضغط أيضاً وطلبه طرد المعارضين البحرانيين من لبنان لمجرد أن أقاموا حفلاً اعتراضياً على عمليات القمع في بلادهم، فيما مهاجمة الجمهورية الإسلامية في إيران التي هي أكبر بكثير حجماً وأهم بكثير موقعاً وأكثر بكثير تأثيراً أمر شائع دون أي رادع، بل إن شتيمة إيران هي المدخل للوصول إلى مكاتب بعض السفارات والمطالبة بثمن تلك الشتائم والسباب.
– إن خبر مشاركة وكيل وزارة الخزانة الأمريكية في اجتماع المصارف اللبنانية كان بمثابة دق المسمار الأخير في نعش ثقة اللبنانيين بمؤسساتهم الإقتصادية والمالية، وذلك بعد أن استولت المصارف على مدخرات المواطنين التي أودعوها لديها، وباتت تتحكم بكيفية وكمية وطريقة ردّ الأموال إلى أصحابها الذين ائتمنوها عليها، وذلك بعدما فقدوا الإحترام بالكامل لزعمائهم السياسيين وحتى الدينيين نتيجة تبعيتهم للسياسات الخارجية واتخاذهم المواقف بناءً على التعليمات من السفارات الأجنبية، بل وتسولهم أمام صغار المبعوثين لأية دولة يحضرون إلى لبنان وطلبهم قليلاً من المال بكل صراحة وتذلل، وإعلانهم قبول البصم بالأصابع العشرة على ما يطلبه زعماء تلك الدولة سواء في المواقف السياسية أو في الإجراءات الأمنية مقابل المال المقدم إليهم.
– إن نموذجين شاهدهما اللبنانيون لكافيان لإثبات عدم وجود ذرة كرامة وطنية لدى المسؤولين اللبنانين، فالأول كان إطلاق سراح الأمير السعودي الذي اعتقل وهو يحاول تهريب حبوب المخدرات على متن طائرته الخاصة ثم إطلاق سراحه بفعل خضوع الدولة اللبنانية للإرادة السعودية، والثاني إطلاق سراح عميل الكيان الصهيوني فاخوري وتسليمه إلى السفارة الأمريكية في عوكر لتدخل طائرة عسكرية أمريكية إلى لبنان بدون استئذان وتنقله على متنها ثم يستقبله الرئيس الأمريكي على باب البيت الأبيض في واشنطن مباهياً.
– وبعد هذا فلا يتكلمن أحد في لبنان عن السيادة، ولا يتفوهن إنسان عن الوطنية، ولا يزعمن لبناني الإستقلال، ولا يعني ما يتم طرحه عن حياد لبنان سوى مسح الجوخ لهذه الدولة وتلك، واسترضاء هذا الملك وذاك الأمير، واتباع تعليمات سفير هذا البلد وذاك، في وقت يريد الله سبحانه العزة لعباده وينهاهم عن عبادة الطاغوت وأن لا يُشركوا به أحداً وأن لا ينحنوا أمام غيره خضوعاً وإجلالاً، ويقول للأذلاء على أبواب الملوك والسلاطين: { أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً } صدق الله العلي العظيم.
– السيد صادق الموسوي