#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية
– الإمارات العربية المتحدة هي أكثر المستفيدين من العلاقة مع الجمهورية الإسلامية منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران العام ١٩٧٩، ويكفي مراجعة حال الإمارات قبل هذا التاريخ وبعده لنرى كم كانت القفزات في نموّ الإمارات وتطورها مستفيدة من العقوبات التي فُرضت على إيران ما جعل الإمارات وإمارة دبي بشكل خاص معبراً للتجارة الإيرانية متحايلة على العقوبات الأمريكية والغربية، من خلال تأسيس آلاف الشركات التجارية من قبل إيرانيين مقيمين أو بالمشاركة مع مواطنين إماراتيين، وعبر الموانئ في الإمارات ودبي في الأغلب حيث كانت تمرّ نسبة كبيرة من البضائع من مختلف دول العالم إلى إيران حتى فاقت في مرحلة معينة كمية الودائع في فرع المصرف الوطني الإيراني ( بانك ملي ايران ) فرع دبي على الأموال المودعة لدى المصرف الوطني الإماراتي.
– لقد كانت الإمارات تأخذ نسبة قرابة ٢٪ من جميع البضائع المتوجهة إلى إيران حيث كانت تصل إلى الموانئ في الإمارات بناء على طلب الشركات الإماراتية ثم يتم نقلها عبر السفن الصغيرة والقوارب إلى الموانئ الإيرانية، وكان أغلب هذه الأمور تتم بعلم من الدول التي تفرض العقوبات على إيران وغضّ النظر من جانبها.
– بقيت الحال هكذا طوال سنوات الحرب ” العراقية ـ الإيرانية “ والتي دامت ٨ سنوات وحتى بعد توقف الحرب، لكن الإمارات كانت تقع في بعض المراحل تحت ضغط كبير من قبل الولايات المتحدة وحلفائها لتغيير سلوكها مع الجمهورية الإسلامية ، فتارة كانت ترضخ ومرات كانت تعطي لأصحاب العقوبات التبريرات فيغضون الطرف عن ذلك ، حتى جاء ” عهد دونالد ترامب “ الذي راهن على تركيع إيران من خلال الخروج من الإتفاق النووي وتشديد العقوبات إلى أقصى حد، وأوهم دول الخليج وبعض دول المنطقة أن سياسته ستكون ناجحة ، واستطاع ابتزاز قادة الدول النفطية وكسب مئات مليارات الدولارات منهم بذرائع مختلفة ، وكان التجاوب الخليجي معه بناء على النبرة العالية لدى الرئيس ترامب واعتقادهم بأن الولايات المتحدة ستقوم بشنّ الحرب على إيران نيابة عنهم، لكن العارفين ببواطن الأمور كانوا يعرفون حقيقة السياسة الأمريكية وهي الإستفادة من ضعف أنظمة الحكم في الخليج وخوفها من التحولات الداخلية خاصة بعد ما سمّي بـ ” الربيع العربي “ وفوز الإخوان المسلمين في مصر وتأثيرات هذا الفوز في العالم ” السني “ ، بعدما عملت جاهدة وطوال عقود على تحصين أنفسها إلى حد كبير في مواجهة تأثيرات الثورة الإسلامية في إيران من خلال التركيز على ” شيعيتها “ واستئجار الخطباء والدعاة لأجل شحن النفوس في الدول ذي الغالبية ” السنية “ ضد الجمهورية الإسلامية ، لكن فوز الإخوان المسلمين ” السنّيون “ في مصر ” السنّية “ ، وبمحورية الأزهر الشريف ، ولكون القاهرة هي مركز جامعة الدول العربية، كل ذلك جعل دولاً كثيرة وبصورة خاصة في الخليج في معرض التأثر بما حدث في مصر من خلال التعاطف الكبير لمواطنيها مع الإخوان وانطلاق كثيرين في تلك الدول لإيجاد علاقات مع النظام الجديد هناك.
– لقد كانت الخطوة الاولى للدول المتوجسة تلك هي احتضان الإخوان، فكانت الزيارة الأولى ” للرئيس المصري الإخواني محمد مرسي “ إلى المملكة العربية السعودية وكان الإستقبال المميز له من قبل قيادة المملكة ، بل إن الصحافة السعودية نشرت قبيل الزيارة صورة لزعيم الإخوان حسن البنا وهو يقبّل يد ملك السعودية عبد العزيز للتدليل على العلاقة الحميمة والتاريخية بين قيادة الإخوان والسعودية ، وكان لنشر تلك الصورة وانعكاس زيارة الرئيس مرسي للمملكة تأثير كبير في ساحات عربية عدة.
– لكن بعد فترة قصيرة انقلبت السعودية على الإخوان، وبالأخص لما رحبت الجمهورية الإسلامية في إيران بفوزهم وعدّته استكمالاً للثورة الإسلامية في إيران بتصريح من ” آية الله خامنئي “ نفسه ، ومن ثم بدأت بالتواصل مع قيادات الإخوان الموجودين في مصر والمتواجدين في الدول الأوروبية، وكان احتضان الرئيس المصري أثناء مشاركته في مؤتمر قمة عدم الإنحياز في طهران واستقباله بحفاوة بالغة من قبل القيادة الإيرانية، وكذلك زيارة الرئيس الإيراني احمدي نجاد إلى القاهرة بمناسبة انعقاد قمة الدول الإسلامية، ما أثار المخاوف لدى حكام الخليج من إمكانية تلاقي قطبي العالم الإسلامي الكبيرين إيران ومصر، فكان أن عملوا بكل جهد على الإطاحة بالإخوان في مصر ومواجهة المتأثرين بشعاراتهم والمتعاطفين معهم في مجتمعاتهم، وبذلوا الأموال الباهظة واستعملوا مختلف الأساليب في سبيل تحقيق هذا الهدف.
– لقد أكدنا مراراً أن الإستراتيجية الأمريكية منذ فشل عمليتها في صحراء ” طبس “ العام ١٩٧٩، والتي كانت تهدف إلى احتلال إيران بذريعة العمل على تحرير رهائن السفارة الأمريكية في طهران، تلك الإستراتيجية هي عدم الدخول أبداً في حرب مباشرة مع إيران، لكنها كانت تبحث دوماً عن آخرين يتورطون في الحرب ضد ايران، وهي تقوم بتشجيعهم على ذلك ومساندتهم عسكرياً وتغطيتهم سياسياً، لكن في حال عجز أولئك عن تحقيق الأهداف الأمريكية فإنها تعمل على الإستغناء عنهم والتخلص منهم في أسرع وقت، وهذا بالضبط ما حصل مع صدام حسين.
– لكن يبدو أن بعض القيادات الجديدة العهد في منطقة الخليج والعديمة التجربة لم تعرف هذه الحقيقة الساطعة، وبالنتيجة لم تأخذ العبرة من عواقب ” الحرب ـ العراقية الإيرانية “ ، وهي توقعت النجاح في الإطاحة بالنظام الإيراني من خلال التوهم بحصول تورط للولايات المتحدة الأمريكية في حرب مباشرة ضد الجمهورية الإسلامية، لكن الصدمة كانت جد كبيرة لدى هؤلاء المراهنين، أولاً بسبب عدم تورط ترامب في المواجهة حتى خرج من البيت الأبيض مُكرهاً، بل كان طوال الأربع سنوات لعهده يرفع وتيرة الخطاب والتهديدات ليأخذ من دول المنطقة الأموال عبر العقود العسكرية وغيرها ويفرض عليهم اتفاقات مذلّة، لكنه فور الحصول على بغيته وتلبية قادة الدول لطلباته كانت النبرة لديه تخف ويبحث عن أية وسيلة ممكنة ووساطة شخصيات عديدة في العالم للتواصل مع الجمهورية الإسلامية في إيران.
– لقد أشرتُ في مقالات عديدة نِشرت في وسائل إعلامية متعددة إلى الحقيقة التي ذكرتها آنفاً، ” وحذرت فيها قادة الخليج مراراً من المراهنة على الولايات المتحدة “ ، ودعوتُ الى ” المسارعة للتحاور مع الجمهورية الإسلامية في إيران “ بصورة مباشرة قبل فوات الأوان ، وعدم المراهنة على الذين يآتون من وراء المحيطات، لأن أولئك ليسوا على استعداد للمخاطرة بمصالحهم كرمى لعيون هذا الملك وذاك الأمير، خاصة أن الجمهورية الإسلامية اليوم لم تعد تعاني من ضعف في الإمكانات العسكرية والقدرات القتالية ، بل إن العالم اليوم يبذل محاولات حثيثة وجهوداً كبيرة بهدف إبطاء سرعة حركة الجمهورية الإسلامية في مسيرة التقدم النووي والتطور الصاروخي والعسكري عموماً، لكن الأنباء في كل يوم تكشف عن تقدم علمي جديد وتحديث في قوة ومدى الصواريخ البالستية الذكية وأيضاً في صناعة وتطوير قدرات الطائرات المسيّرة ، بل إن السعودية وحلفاءها الأمريكيين والغربيين يقفون عاجزين عن الحد من القوة الإيرانية المتعاظمة ، وتأثير إيران الكبير تظهر اليوم عياناً في ساحات اليمن وسوريا والعراق ولبنان وغيرها.
– إن ” المسؤولين في دولة الإمارات العربية المتحدة أدركوا مؤخراً “ بأن المراهنة على الإدارة الأمريكية هي ” رهان خاسر “ ، وأن الأفضل هو التوجه نحو التحاور المباشر مع إيران، ولقد تجلت هذه السياسة في إرسال ” وفود عديدة إلى العاصمة الإيرانية “ في فترات متعدده ، وكان التتويج في زيارة ” وزير الخارجية في الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد “ وبعد ذلك جاء سفر ” مسؤول الإستخبارات في الإمارات الشيخ طحنون بن زايد إلى العاصمة الإيرانية لتوسيع وتعميق وتفعيل العلاقات المتجددة مع طهران “ ، بل إن وزير الخارجية الإماراتي أصبح يهاتف وزير الخارجية الإيراني ليضعه في أجواء زيارته إلى العاصمة السورية ولقائه مع ” الرئيس السوري بشار الأسد “ .
– إن ” السياسة الجديدة لدولة الإمارات العربية والتأكيد على تجنب معاداة إيران “ ، والتعامل معها في أجواء الوئام، ومناقشة نقاط الإختلاف عبر المداولات الأخوية بعيداً عن الأجواء المتشنجة هي السياسية العاقلة والناجحة وذلك بسبب المصالح المشتركة بين الدول المطلة على الخليج وحساسية المنطقة وسيطرة إيران على مضيق هرمز الإستراتيجي وتوسع حضورها حتى تجاوز بحر عمان وباب المندب والمحيط الهندي.
– لقد توصلت الإمارات العربية المتحدة إلى القناعة بأن ما يمكن الحصول عليه من إيران من خلال العلاقة الودية والتحاور الأخوي لا يمكن بأي حال الوصول إليه عن طريق الخصام وفي الأجواء المتشنجة، وهذه الحقيقة تبدو جلية في إصرار الولايات المتحدة نفسها على التعامل مع الجمهورية الإسلامية عبر الدبلوماسية ، والدولة العظمى هذه رضيت أخيراً بالتعامل السلمي وبصورة غير مباشرة مع إيران ووافقت على تقديم التنازل تلو التنازل أمام إيران أملاً في قبول الجلوس معها وجهاً لوجه في المفاوضات الجارية حالياً في العاصمة النمساوية.
– ثم إن العالم كله يعلم أن التصريحات ” البهلوانية الأمريكية والأوروبية والصهيونية “ المتكررة لا تؤثر بأي حال في أداء الفريق الإيراني المفاوض، والتهديدات الفارغة لا قيمة لها عند القيادة الإيرانية، فالأفضل والأجدى لقادة دول المنطقة الذين انخدعوا بالأوهام الأمريكية والصهيونية حتى الأمس القريب وأفرغوا خزائنهم تلبية لطلبات دونالد ترامب وخضعوا لإملاءات مستشاره اليهودي الصهيوني جاريد كوشنر أن يفتحوا باب الحوار الأخوي مع الجمهورية الإسلامية في إيران تأسياً بدولة الإمارات العربية المتحدة، وقبل ذلك كانت التجربة الناجحة لدولة قطر والتي تمكنت من خلال العلاقة المتينة مع إيران تجاوز أخطر التهديدات والحفاظ على كيانها، وانتهى الأمر بتراجع الذين فرضوا على قطر الحصار الخانق عن كامل شروطهم لعودة العلاقات معها.
– إن زيارة ” رئيس الإستخبارات في دولة الإمارات الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان إلى طهران “ والإستقبال المميز له هناك، وذلك قبيل زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى أبو ظبي، تحتوي على رسالة واضحة للرياض وغيرها بأن حقبة الخصام مع إيران قد انقضت ، وأن المرحلة تفرض على الجميع التخلي عن إطلاق المواقف العدائية ضد الجمهورية الإسلامية والتوقف عن النفخ في أبواق التفرقة والعودة إلى أجواء التقارب بل إلى الإعتصام بحبل الله من خلال إحياء الأخوة الإسلامية من جديد، وذلك عملاً بقول ” الله عزّ وجلّ “ في محكم كتابه : { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً } صدق الله العلي العظيم .
– السيد صادق الموسوي