#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية
– تحولت التكنولوجيا إلى عامل جيوسياسي. منعت الولايات المتحدة صادرات أشباه الموصلات إلى الصين. في المقابل، سعت الصين إلى الحد من وصول الولايات المتحدة إلى معادن الأرض النادرة الضرورية لتصنيع كثير من المنتجات التكنولوجية.
في الوقت نفسه حظرت عدة دول شركة هواوي الصينية من تشغيل شبكات اتصالات الجيل الخامس الخاصة بها. وحظرت الهند تطبيق تيك توك للتواصل الاجتماعي المملوك للصين بعد اشتباكات حدودية بين الدولتين. من جانبها، تحقق الحكومة البريطانية في استحواذ شركة نافيديا المقترح على آرم، شركة تصميم الرقائق، لأسباب تتعلق بالأمن القومي.
بالنسبة لبعض الاقتصاديين التجاريين الذين تعلموا الفكرة الغريبة القائلة إن البشر هم فاعلون عقلانيون، مثل هذه التطورات كانت تشكل صدمة.
يقول دانيال جارسيا ماسيا وريشي جويال، من صندوق النقد الدولي: “من منظور اقتصادي كلاسيكي، هذا التصعيد غير منطقي”. يبدو أن كبار كهنة العولمة ما زالوا يبشرون بأن التجارة الحرة نعمة اقتصادية تشجع على نمو أعلى وتكاليف أقل وتخصص إنتاجي. ومع ذلك، كما يضيف جارسيا ماسيا وجويال، مثل هذه التدخلات منطقية عند النظر إليها من منظور آخر هو الأمن.
لقد أدت العلاقات المتداخلة في العصر الرقمي إلى عدم وضوح الفروق بين القضايا الاقتصادية والأمنية. شركات التكنولوجيا المهيمنة تعد محركات للنمو الاقتصادي وقنوات للمخاطر الأمنية. كما أنها تتمتع بأرباح ضخمة ونفوذ في الأسواق العالمية وقدرة على وضع معايير الصناعة. بالتالي، يسهل اختراق السياسات التجارية والصناعية من خلال الأولويات الأمنية والجيوسياسية الأوسع نطاقا.
كتب غارسيا ماسيا وجويال: “أصبحت حروب التكنولوجيا هي الحروب التجارية الجديدة”.
في الماضي منع كثير من الدول الواردات لحماية الشركات الوطنية الرائدة وأرباحها الاحتكارية في كثير من الأحيان. ما يجعل الخلافات التكنولوجية الأخيرة غير عادية ومثيرة للقلق، هو أن اللاعبين المهيمنين يحاولون منع الصادرات من دول ثالثة أيضا.
إن الانفصال بين اقتصادي الولايات المتحدة والصين وتفكك الإنترنت، ما يسمى تجزئة الإنترنت، يهدد بجر بقية العالم. سيتعين على الدول الأخرى إيجاد طرق للحفاظ على التجارة الحرة في أكبر عدد ممكن من المجالات والاتفاق على قواعد مشتركة لحماية الأمن السيبراني.
على نحو أكثر طموحا، دعا جارسيا ماسيا وجويال إلى مجموعة جديدة من المؤسسات على غرار بريتون وودز، بحيث تكون الخلفاء الرقميين لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي اللذين شكلا الاقتصاد العالمي بعد الحرب العالمية الثانية. لكن هذا لن ينجح أبدا في غياب القيادة الأمريكية. بشكل أكثر تواضعا، يقترحان أيضا إنشاء مجلس استقرار رقمي عالمي، على نسق مجلس الاستقرار المالي، من شأنه مراقبة المخاطر التي يتعرض لها الأمن السيبراني.
يجادل بعض الاستراتيجيين بأن علينا القبول بالعودة إلى نظام عالمي “ويستفالي جديد” تحدد فيه الولايات المتحدة والصين مناطق نفوذهما وتتحكمان فيها، مثلما حدث بين القوى العظمى في أوروبا بعد أن أنهى صلح ويستفاليا في 1648 حرب الـ30 عاما (التي قتل فيها نحو ثمانية ملايين شخص).
لكن لوتشيانو فلوريدي، الأستاذ في معهد أكسفورد للإنترنت، الذي كتب بصورة موسعة عن السيادة الرقمية، يقول إن هذا من شأنه أن يسيء فهم طبيعة القوة في القرن الـ21. قال لي “لقد انتهى العصر الحديث”. أضاف “لم يعد مكاني، وقواعدي. وداعا ويستفاليا”.
تظل السيادة التناظرية التقليدية، كما يسميها – التي تتحكم في الأرض والموارد والشعب – وظيفة ضرورية للدولة الحديثة، لكن هذا الآن غير كاف. يجب أيضا أن تصل إلى توافق مع الطاقة الرقمية، التي تتحكم في البيانات والبرامج والمعايير والبروتوكولات وتكون في الغالب في أيدي شركات التكنولوجيا العالمية.
كما قال النائب الديمقراطي، ديفيد سيسيلين، في جلسات الاستماع الخاصة بمكافحة الاحتكار في الكونجرس الأمريكي العام الماضي، يمكن لشركات التكنولوجيا الكبرى التأثير في حياة ملايين الأشخاص بطرق دائمة وأن تتولي سلطات “حكومة خاصة”.
يجادل فلوريدي بأن الحكومات التناظرية لا تزال لديها القدرة على تشكيل السيادة الرقمية لتحقيق غاياتها الخاصة، ويقترح على الاتحاد الأوروبي أن يشترك مع دول ديمقراطية متشابهة التفكير مثل المملكة المتحدة، واليابان، وكندا، وإسرائيل.
تولى الاتحاد الأوروبي بالفعل زمام المبادرة في 2018 من خلال اعتماد اللائحة العامة لحماية البيانات، التي حددت في الواقع معايير استخدام البيانات العالمية. في الأسبوع الماضي وضع الاتحاد الأوروبي أيضا خططا لريادة التشريعات التي تحكم استخدام الذكاء الاصطناعي.
من الواضح أن الولايات المتحدة والصين تنجران بشكل متزايد إلى صراع كبير من أجل السيادة. يجب على بقية العالم أن يكتشف بسرعة كيفية حماية مصالحه الاقتصادية وتأكيد قيمه الخاصة، إذا كان له أن يتحاشى دهسه في تلك المعركة.