من الحجج التي يسوّقها والت هو أن الدعم الإيراني لهذه المجموعات المختلفة استنزفها مادياً وجعل إسرائيل والدول الخليجية تتقارب ضمنياً مما قوّض موقفها العام مضيفاً أن الذين يحذرون من طموحات إيران يتجاهلون أيضاً وجود عقبات أخرى هامة ستواجهها في حال سعت للسيطرة على المنطقة من بينها أن أي قتال مع الدول ذات الغالبية السنية من شأنه أن يعمق الانقسام بين فرعي الإسلام الرئيسيين ويجعل من الصعب على طهران اكتساب النفوذ لدى جيرانها فضلاً عن كون إيران فارسية وليست عربية ولن يدعم أي بلد عربي سيادتها على المنطقة.
شبّه الكاتب الأميركي ستيفن والت سياسة إدارة ترامب تجاه إيران بأنها أشبه بالهستيريا معتبراً أن هناك مبالغة في الحديث عن التهديد الإيراني.
وفي مقالته في مجلة "فورين بوليسي" قال والت، استناداً إلى تصريحات المسؤولين بدءاً من ترامب مروراً بوزيري الخارجية والدفاع وصولاً إلى المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، إن الرئيس الأميركي ومساعديه يتبنون رؤية أن إيران قوة هيمنة محتملة تستعد للسيطرة على الشرق الأوسط وخصوصاً منطقة الخليج الغنية بالنفط.
ورأى الكاتب أن هذا المنطق يساعد في فهم دعم ترامب الذي لا يتزعزع للسعودية بما في ذلك تأييده الضمني أو العلني للتغييرات التي قام بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الداخل وجهوده الواضحة للتدخل في السياسة الداخلية اللبنانية. كما أنه يفسر رفض ترامب للمصادقة على الاتفاق النووي في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
لكن وفق والت فإن هذا الضغط المحكم المستمر ضدّ إيران غير منطقي لأن قدراتها مقارنة بقدرات مصر وإسرائيل والسعودية والأردن والإمارات تجعلها أبعد من أن تكون قوة مهيمنة إقليمياً فضلاً عن أنها تفتقر للقوة الصلبة التي تحتاجها أي دولة للسيطرة على دول الشرق الأوسط المنقسمة على نحو عميق، مشيراً إلى أن رغبة النقاد والسياسيين في تبني هذا السيناريو المخيف الخيالي تشير إلى الطبيعة الفضفاضة للخطاب الاستراتيجي الأميركي أكثر مما تتحدث عن التحدي الفعلي المتمثل في إيران.
في مقارنة لقدرات إيران وقدرات الدول الأخرى في المنطقة ينقل والت أرقام المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية مشيراً إلى أن عدد سكان إيران يبلغ 83 مليوناً فيما ناتجها المحلي تجاوز 400 مليار دولار وقاربت ميزانيتها الدفاعية 16 مليار دولار. أما قدرتها العسكرية البشرية التي تشمل الحرس الثوري فإن تعدادها يبلغ 520 ألف جندي فضلاً عن أن الكثير من دباباتها وطائراتها وغيرها من الأسلحة الرئيسية تعود لأيام الشاه، على حدّ قوله.
في المقابل يبلغ تعداد سكان مصر وإسرائيل والسعودية والاردن والإمارات مجتمعة قرابة 100 مليون نسمة مع ناتج محلي يتجاوز تريليون دولار أي أربعة أضعاف الناتج المحلي الإيراني. أما الميزانية الدفاعية لهذه الدول مجتمعة فهي على الأقل خمسة أضعاف الميزانية الإيرانية. هذه الدول يتابع والت تملك بعضاً من أكثر الأسلحة تطوراً التي يمكن شراؤها بما في ذلك دبابات "أبرامز" وطائرات "أف 15" كما أن لدى إسرائيل أسلحة نووية.
بحسب الكاتب فإنه في حال قيام إيران بمهاجمة هذه الدول وهو أمر مستبعد يمكنها أيضاً الاعتماد على دعم الولايات المتحدة وبالتالي بالنظر إلى القوى الأكثر قوة المحتشدة ضدّ إيران يجافي الادعاء بأنها على وشك الهيمنة على المنطقة المنطق.
يضيف والت أنه حين يواجه أعداء إيران بهذه الحقائق يذهبون إلى التحذير من أنها تستخدم وكلاء محليين لتوسيع نفوذها والسيطرة على المنطقة، لكن ذلك أيضاً لا يجعل إيران في موقع السيطرة التي يتحدثون عنها. وفق والت صحيح أن إيران دعمت حزب الله في لبنان والرئيس السوري بشار الأسد والميليشيات المختلفة في العراق وبدرجة أقل الحوثيين في اليمن مستفيدة منهم لكنها استغلت الفرصة بسبب أخطاء خصومها كقرار إدارة جورج بوش الابن بإسقاط نظام صدام حسين على سبيل المثال.
ورأى والت أن إيران لا تسيطر على هذه المجموعات بقدر ما تسيطر الولايات المتحدة على وكلائها في الشرق الأوسط مضيفاً أن كلاً من هؤلاء اللاعبين لديه مصالحه الخاصة وحلفاء إيران الحاليون لن يتبعوا أوامرها على نحو أعمى إذا كان من شأن ذلك تعريض مواقعهم للخطر. وبالتالي فإن رؤية هذا التعاون على أنه امبراطورية فارسية جديدة كحال هنري كيسنجر وماكس بوت أمر مضحك.
من الحجج التي يسوقها والت هو أن الدعم الإيراني لهذه المجموعات المختلفة استنزفها مادياً وجعل إسرائيل والدول الخليجية تتقارب ضمنياً مما قوّض موقفها العام مضيفاً أن الذين يحذرون من طموحات إيران يتجاهلون أيضاً وجود عقبات أخرى هامة ستواجهها في حال سعت للسيطرة على المنطقة من بينها أن أي قتال مع الدول ذات الغالبية السنية من شأنه أن يعمق الانقسام بين فرعي الإسلام الرئيسيين ويجعل من الصعب على طهران اكتساب النفوذ لدى جيرانها فضلاً عن كون إيران فارسية وليست عربية ولن يدعم أي بلد عربي سيادتها على المنطقة.
يتابع والت أن الصقور في السياسة الإيرانية بمن فيهم جنرالات ضمن الدائرة الضيقة المحيطة بترامب يستحضرون دور المقاتلين المدعومين من إيران في قتل الجنود الأميركيين في العراق، مشيراً إلى أن غضبهم مفهوم لكن كذلك هو السلوك الإيراني حيث إن واشنطن عاقبت إيران على مدى الأعوام العشرين الماضية من خلال فرض عقوبات اقتصادية عليها وهاجمتها بواسطة الأسلحة الالكترونية وموّلت جماعات معارضة مناهضة للنظام. ولفت إلى أنه حين أسقطت الولايات المتحدة صدام حسين عام 2003 عبر المحافظون الجديد داخل وخارج إدارة بوش أن نظام آيات الله سيكون الهدف التالي على لائحتهم. في ظل هذه الظروف كان على إيران أن تفعل كل ما في وسعها لإجهاض هذا الهدف متسائلاً هل حقاً كنا نتوقع أن يقف زعماء إيران متفرجين فيما أكثر البلدان قوة في العالم تستعد لإسقاطهم؟
وفق والت وأمام عدم قدرة أي دولة سواء داخل الشرق الأوسط أو خارجه من السيطرة عليها فإن على الولايات المتحدة بدل إعطاء السعودية وإسرائيل شيكاً على بياض لمواجهة بعض الهيمنة الإيرانية الاسطورية أن تحاول الحفاظ على توازن قوى إقليمي وأن تسعى إلى علاقات متوازنة مع كل الدول في المنطقة بما فيها إيران.
مثل هذه المقاربة الأكثر إنصافاً من شأنها تسهيل التعاون في القضايا التي تلتقي فيها المصالح الأميركية والإيرانية مثل أفغانستان. إن احتمال إقامة علاقات أفضل مع الولايات المتحدة من شأنه أن يعطي طهران حافزاً لتعديل سلوكها. كما أنه يمكن لهذه المقاربة أن تشجع حلفاء أميركا الحاليين على بذل المزيد من الجهد من أجل استرضائها وليس التعامل مع الدعم الأميركي على أنه من المسلمات.
وفق الكاتب فإن حلفاء أميركا وجماعات الضغط المحلية التابعة لهم سيعارضون وقف دعم واشنطن لهم وسعيها إلى تخفيف التوتر في العلاقات مع إيران لكن هذه مشكلتهم وليست مشكلة أميركا.
وتابع والت "إن الدعم الأميركي المفرط يشجع الحلفاء على التصرف على نحو متهور كما تفعل إسرائيل عندما توسع المستوطنات غير الشرعية وكما تفعل المملكة العربية السعودية من خلال حملتها العسكرية في اليمن، ومشاكلها الدبلوماسية مع قطر، ومحاولتها لإعادة تشكيل السياسة داخل لبنان" مضيفاً "إذا أدرك حلفاء الولايات المتحدة أن واشنطن تتحدث مع الجميع سيكون لديهم أسباب أكثر للاستماع إلى نصيحتها خشية الحدّ من دعمها والبحث عنه في مكان آخر" معتبراً "أن وجود العديد من الخيارات هو مصدر أساسي للنفوذ".
وخلص والت إلى أن ممارسة سياسة توازن القوى في الشرق الأوسط لا يستدعي من واشنطن التخلي عن حلفائها الحاليين بالكامل أو الميل نحو إيران. بدلاً من ذلك فإن الأمر يعني استخدام القوة الأميركية للحفاظ على توازن تقريبي وإجهاض الجهود العلنية لتغيير الوضع القائم ومنع أي دولة من السيطرة على المنطقة مع مساعدة القوى المحلية على حل خلافاتها.
وقال والت إن تبريد الأجواء بهذه الطريقة سيحمي الوصول إلى النفط ويكبح الرغبة في المنطقة للحصول على أسلحة الدمار الشامل، ويمنح هذه الدول أسباباً أقل لتمويل المتطرفين ووكلائهم.
خلاصة القول وفق والت أن شنّ حملة شاملة لمكافحة الهيمنة الإيرانية هي غير ضرورية مضيفاً أنه "لسوء الحظ، ليس هناك ما يدعو للاعتقاد بأن إدارة ترامب ستعترف بذلك وتتبنى هذا المسار المبين أعلاه لكن إذا لم يحدث ذلك، فإن سياسة ترامب في الشرق الأوسط ستكون بمقدار نجاح سياسة بيل كلينتون وجورج بوش وباراك أوباما، ما يعني أنها ستكون عبارة عن سياسة جديدة فاشلة ومكلفة.