وكالة إيران اليوم الإخبارية : مي أحمد شهابي
كما هو متوقع طالت معركة جنوب دمشق أكثر مما تحتمل عسكرياً، لاسيما إذا قورنت بمثيلاتها، وفي مختلف مواقع تواجد عصابات داعش الارهابية على الرغم من أن تواجد عصابة داعش في مخيم اليرموك والحجر معزول ومحاصر تماما من كل الجهات . ومنذ فترة طويلة ، وقد فرضت قوات الجيش السوري والقوات الحليفة على هذه العصابات من كل الجهات حصاراً عسكرياً كاملاً يجعل نتيجة المعركة محسومة سلفاً من وجهة نظر عسكرية..
و مما يزيد الأمر تعقيدا صعوبة اقتحام هاتين المنطقتين لاسيما مخيم اليرموك حيث السمات الطبوغرافية معقدة . حيث تنتشر كتل عمرانية ضخمة متراصة تتواصل في بعض المناطق مع كتل منخفضة ولكنها متراصة أيضاً. ومما يجعل مسافات الرؤية و الاقتراب صعبة، ويعطي المدافع ميزات سيطرة وتحكم أكبر. كل هذا صحيح ولكنه لا يفسر إصرار هذه العصابات على استمرار القتال،و عدم الاستسلام والذي سيكون بمثابة انتحار ليس إلا. وفي هذه الحالة لا يبدو أن الانتحار هو الوارد ..وإلا لماذا استمروا في المفاوضات. أو شاركوا فيها منذ البداية على الأقل.
إن التفسير الوحيد لاستمرار مناورات عصابات داعش يعود ومثله احتلالها لمخيم اليرموك وجواره هو سياسي أساساً. وخلاصته الفجة تنفيذ سياسات مطلوبة من هذا الوجود تمس جوهر وأساس الأزمة السورية، أي الموقف الوطني من قضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي.
منذ البداية لم يكن هناك أي وجود لداعش في هذه المناطق. وتسللت إليها أثناء وخلال الفترة التي كانت المفاوضات مع المسلحين جارية لتسليم المنطقة إذ توصلت إلى اتفاقات تنهي الوجود المسلح فيها وتالياً عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى مخيمهم . وشكّل تسلل داعش للمخيم ضربة لكل الجهود التي بذلت لإعادة سكان المخيم والحجر الأسود إلى منازلهم.
إن وجود داعش وهدفه الرئيسي الذي لم يعد يخفى على أحد يتمثل بتحقيق هدفين رئيسيين،الأول تهجير السكان من هذه التجمعات السكانية الضخمة، والتي كانت عنواناً عريضاً للنضال الوطني الفلسطيني ولمقاومة المشروع الصهيوني . وإطاراً مكانياً لتجسيد الهوية الوطنية الفلسطينية وأساسها حق العودة إلى أرضهم وديارهم، وهو ما أبقى على شعلة الكفاح والانتماء متقدة ومنتقلة بإصرار من جيل إلى جيل .
أما الهدف الثاني فيتمثل بتدمير البيئة المكانية التي احتضت هذه الهوية وثقافة المقاومة بما تضمه من رموز وذكريات ترتبط بمراحل ومسارات هذا النضال، من مقابر الشهداء والتي كانت مزاراً يؤمه الفلسطينيون في الأعياد والمناسبات الوطنية يستذكرون من خلاله شهدائهم، شهداء المقاومة في مواجهة العدو الصهيوني . أو من حيث أسماء الشوارع والأزقة والمدارس والمحلات التي تخلد أسماء المدن والقرى أو أبطال المقاومة الفلسطينية، أي باختصار تدمير بنك الذاكرة الفلسطينية، بعد استكمال التهجير . وبما يسهّل إنجاز صفقة العصر عبر تبديد قضية اللاجئين بشراً وأمكنة ومخيمات ورموز وطنية وفك لُحمة النضال الوطني الفلسطيني والسوري من مدخل اللاجئين والمقاومة كنتيجة لتلك السياسات وتلبية لأجندات أمريكية وإسرائيلية.
ويبدو أنه لتنفيذ هذه المهمة كان لابد من جلب قيادات أجنبية تمتلك مثل هذه الخبرات والتي تفتقدها القيادات المحلية وهو ما تم خلال الأشهر الثلاث السابقة والتي قد تتردد في إنجاز هكذا مهمة.
وفي مساء يوم ٢٤ /٤ وصلت معلومات من مصادر مقربة لــ وكالة إيران اليوم الإخبارية تفيد ان اجتماعاً قد حصل بين المسلحين والجانب الروسي جمع بين الوفدين من كل الأطراف.
وقد طلب الوفد المذكور عدم تهجير أهالي البلدات (بيت سحم، ببيلا، يلدا) وموضوع دخول الجيش في ممر بالقرب من الفصائل المسلحة يبعد ٣٠٠م باتجاه البلدات المذكورة وذلك يجري استعدادا من اجل استكمال الأعمال القتالية باتجاه الحجر الأسود واليرموك. وقد تم الاتفاق على كامل البنود.
بالمقابل كان هناك حرص شديد من القيادة السورية السياسية والعسكرية على تجنيب سكان المخيم والحجر وجوارهما السوري لاسيما مناطق الزاهرة والميدان وسبينة وغيرها من المناطق شرور هذه العصابات وأذاها الذي شهدناه خلال الأسبوع الماضي ولايزال مستمراً، حيث طال قصف هذه العصابات يومي ٢٣ /٢٤ من الشهر الجاري أحياء نهر عيشة وكفرسوسة وساحة العراقيين في السيدة زينب وهو ما أدى إلى سقوط أكثر من 6 شهداء و25 جريحاً يضافون إلى الشهداء المدنيين في أحياء الزاهرة والميدان وأطراف حي القدم .
ولهاذين الاعتبارين السياسي والبشري حُشدت قوات كبيرة وبمختلف صنوف الأسلحة بهدف حسم المعركة بأقصر وقت ممكن في حال تراجعت هذه العصابات عن الاتفاقات والشروط المتفق عليها. ولحين الإذعان الكامل لهذه الشروط تستمر القوات المتحشدة في تنفيذ مهماتها القتالية والمتمثلة بتدمير المقار القيادية والتحصينات لاسيما في الحجر الأسود واليرموك وقطع طرق المناورة والتحرك والإسناد. وهو ما أثمر بشكل كبير وأسهم في تحطيم معنويات الإرهابيين وزيادة خسائره ومنه قياديين من الصف الأول ومن أصول غير سورية ـ سعوديون ـ ليبيون ومن جنسيات أخرى وصل عددهم للعشرات. كما أن النجاح في عقد اتفاقات مع البلدات الثلاث، يلدا ببيلا ، بيت سحم مكّن من إغلاق طرق الهروب من هذا المحور. ونجحت القوات المهاجمة من الجيش العربي السوري و القوات الرديفة من السيطرة على أطراف هذه المناطق والتي كان يسيطر عليها جيش الاسلام والذي منيّ أيضا ً بخسائر كبيرة بالعشرات ومنهم قائد جيش الاسلام في هذه المنطقة أبو البراء ..
هذا كله أدى للوصول لأطراف حي الزين وفتح محور جديد في خاصرة عصابات داعش في الحجر الاسود وتشديد للحصار عليهم، ويمكن اختصار التكتيكات القتالية المتبعة حتى الآن في مواجهة عصابات داعش والنصرة بالضغط العسكري المباشر والذي يستهدف المقرات القيادية، مخازن الذخيرة، قطع طرق الإمداد والإسناد المتبادل. السيطرة المباشرة على مواقع استراتيجية، والقضم المستمر إلى أن يخرج الجرذان من مخابئهم وفق الشروط التي باتت معروفة للجميع . صحيح أن هذا قد يجعل المدى الزمني للمعركة أكثر طولا ولكن لكل معركة ظروفها الخاصة و لكن لا بد أن النصر قريب و لا بد لهذا الإرهاب أن ينتهي مهما طال و تكبر و تجبر