
“من الصعب أن ترى إبنك يضحك من دون سبب، أو يدور لساعات في مكانه، أو يرفض التواصل معك”، كلمات وصفت بها أم شعورها بالمرارة والحزن، بعدما رفض طفلها المصاب بمرض طيف التوحد لمسها له.
وتعرف الجمعية الأميركية للتوحد هذا المرض بـ”إعاقة متعلقة بالنمو تظهر خلال السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل، نتيجة اضطراب في الجهاز العصبي، والذي يؤثر بدوره على وظائف المخ في مجالات التفاعل الاجتماعي والتواصل الشفهي وغير الشفهي”. في حين قالت منظمة الصحة العالمية إن “البيّنات العلمية، تشير إلى عوامل وراثية وبيئية، تسهم على حد سواء في ظهور اضطرابات طيف التوحد عبر التأثير في نمو الدماغ بوقت مبكر”. وعادة ما يعاني الطفل المصاب بمرض التوحد من الانطوائية، وفرط الحركة، والحساسية الشديدة للصوت والضوء، فضلاً عن تجاهل الاتصال البصري المباشر، وعدم الاستجابة لمناداته،كما يفضل اللعب بمفرده، ولايملك القدرة على فهم عواطفه أو عواطف الآخرين.
وفيما “تشير احصاءات الصحة العالمية إلى أن طفلاً واحداً من بين 160 طفلاً يصاب بالتوحد في العالم، ترتفع نسبة الإصابة في الوطن العربي، إذ سجلت المملكة العربية السعودية إصابة واحدة لكل 100 طفل، فيما سجلت الامارات اصابة طفلين من كل 100 طفل، وفي الكويت تبلغ الإصابة 1.5 بين كل 100 طفل”، وفقا لوكالة الأنباء الكويتية (كونا).
وخلصت دراسة بحثية أجريت عام 2017، ونشر نتائجها موقع (statista)، إلى أن نسبة انتشار الاضطراب بين الأطفال الذكور تزيد بنحو 4.5 مرات بين الإناث، ما يعني إصابة طفل ذكر مقابل 42 طفلاً ، في حين تصاب طفلة واحدة مقابل 189. ووفقاً للدراسة فإن 161 طفلاً يُصاب بالتوحد في اليابان من بين كل 10 آلاف طفل، وأن 94 يُصابون بالمرض في المملكة المتحدة من بين 10 آلاف طفل، وتصل الإصابة في السويد إلى 72 طفلاً، وفي الدنمارك إلى 68، وفي الولايات المتحدة إلى 66، وفي كندا إلى 65، وفي أستراليا 45 طفلاً، والبرازيل 27 طفلاً، وفي هونغ كونغ تصل إلى 17 طفلاً، في حين كانت النسبة الأدنى للإصابة بين الدول العشر لصالح البرتغال التي بلغت 9.2 أطفال من بين كل 10 آلاف طفل.
معاناة نفسية
على الصعيد النفسي، تعاني أسر هؤلاء الأطفال في الدول العربية من نظرة الشفقة التي يبديها المجتمع، وقلة تفهم طفلها، بخاصة إن قام بسلوكيات غريبة، مثل الضرب، أو معانقة أحد بشدة، أو القيام بتصرفات غير لائقة ومزعجة، في الأماكن العامة ووسائل النقل والمواصلات. كما تجبر هذه الأسر على التكفل باحتياجات الطفل في ظل انعدام أو قلة المراكز المتخصصة لعلاج مثل هذه الحالات، ما يزيد من الضغوط النفسية على الأسرة.
صعوبات
“الكثير منهن كدن يقدمن على الانتحار”، هكذا علّقت اختصاصية علم النفس الجزائرية آمال فوضيل، على الصعوبات التي تواجهها بعض أمهات أطفال التوحد، مبينة أن التعامل مع الطفل المصاب بالتوحد، يعد أمراً غاية في الصعوبة، داعية الأمهات إلى التحلي بالقوة والشجاعة والتغلب على الأفكار السلبية، لاسيما أن الطفل في هذه الحالة يجنح نحو الروتين والتكرار، ما يتطلب تفهم نوعية هذا الاضطراب السلوكي، مع الحرص على استشارة آراء المختصين، وتجاهل نظرة المجتمع السلبية، بغية التغلب على أية صعوبات في هذا الإطار.
80 ألف مصاب بالتوحد في الجزائر
في الجزائر، يقول الاختصاصي في طب الأطفال حوبي عبدالكريم وهو صاحب مدرسة خاصة تتكفل بالأطفال المصابين بالتوحد، إنه لاتوجد إحصاءات رسمية عن عدد الأطفال المصابين، فيما تشير أرقام غير رسمية إلى وجود نحو 80 ألف طفل مصاب به، في الوقت الذي يكاد ينعدم فيه التكفل بهذه الفئة.
وأضاف عبدالكريم أن هذا الاضطراب يمس الأطفال من مختلف الأعمار وبمستويات تتفاوت من حالة لأخرى، مشيراً إلى ضرورة توعية الآباء بمسؤولية التكفل بالطفل المصاب، والطرق الصحيحة للتواصل معهم في ضوء نقص المراكز العلاجية. ودعا الآباء إلى الاعتماد على أنفسهم لإخراج أطفالهم من دائرة العُزلة وتحسين التواصل لديهم، من خلال المشاركة في الدورات التدريبية وحضور الورش المتخصصة لفهم طبيعة اضطراب طيف التوحد، وكيفية تفادي حدوثه، وطرق علاجه.
تواصل
وفي الجزائر أيضاً، دشنت صفحة عبر “فايسبوك” لتبادل تجارب أمهات أطفال التوحد هناك، وتقول إحداهن “عزيزتى الأم.. 2 نيسان (أبريل)، هو يوم يتذكر فيه العالم معاناتنا وأننا على قيد الحياة، إنه يوم من أصل 365 يوماً نقاتل فيها التوحد، فكلنا نعاني معاً من أجل إنقاذ أطفالنا”، مضيفة أن هذا الأمر “ليس بالمهمة السهلة، إذ يتطلب الكثير من الجهد، والتضحية بنمط الحياة التي اعتدناها، ويمكنك أن تقسمي حياتك لنصفين، ماقبل معرفتك بمشكلة إبنك، وما بعدها”.