الإمبريالية التلمودية : من إحتلال الحقول إلى إحتلال العقول .. بقلم : نبيل فوزات نوفل الكاتب والمحلل السياسي والخبير الاستراتيجي

#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية_نبيل فوزات نوفل

 

– بعد أن نجح الاستعمار الإمبريالي في إحتلال معظم ثروات بلدان العالم وفي مقدمتها مصادر الطاقة وعلى رأسها حقول النفط تأكد له أنه لا يمكن الاستمرار في الاحتفاظ بها بسبب مقاومة الشعوب له وسعيها لإعادة حقها و تحرير أوطانها، وعلى الرغم من استعماله لكل أنواع القوة العسكرية ولكل الأسلحة المحرمة دولياً إلا أنه فشل في تطويع الشعوب وتأكد له أنه لابد من إحتلال العقول إلى جانب احتلال الأرض وبقدر السيطرة على العقول يمكنه المكوث في الأرض والتمتع بنهب ثرواتها ..

– لذلك بدأت الإستراتيجية الإمبريالية تولي الإعلام ووسائله كل الاهتمام وأخذت بزرع المستوطنات الفكرية والاقتصادية الداعمة له في أصقاع الأرض وأخذت تسمم أفكار وعقول أبناء المجتمعات لصالح القوى الاستعمارية ، ونشر ثقافة القنوع والخنوع فيها للتسليم بأن الاستعمار قدر لا مفر منه وما على هذه الشعوب إلا تنفيذ توجيهاته إذا أرادت الاستمرار في الحياة على وجه المعمورة ، وبالتالي لعبت المستوطنات الفكرية والإعلامية والاقتصادية المنثورة في بقاع الأرض دور السمسار الرخيص ..‏ والمتابع لوسائل الإعلام الإمبريالي التي تهيمن عليه القوى الصهيونية الرأسمالية العالمية في العالم لا تعوزه الفطنة ليكتشف السموم التي تبثها لتخريب العقول لأبناء البشرية عامة ولأبناء أمتنا العربية خاصة من خلال بعض المحطات التلفزيونية‏ من المحطات الناطقة بالعربية والمحسوبة على الإعلام العربي .. وما هي في الواقع إلا مستوطنات تخريبية زرعتها القوى المعادية لأمتنا العربية لتعيث فساداً وتفرقة وتقسيماً في صفوف الأمة لتبقى ضعيفة مهيضة الجانح .. وأهم ما يركز على الإعلام الإمبريالي القضايا التالية :‏

– قولبة اتجاهات الرأي العام الأمريكي ، زرع عقول الناس بجملة من الأوهام والتلفيقات المؤيدة للكيان العنصري الصهيوني وفي مقدمها ، أن الإسرائيليين شعب غير مقاتل ، هم مستضعفو “الشرق الأوسط “ القادرون على النصر في وجه معوقات هائلة، بذكائهم وشجاعتهم ومثابرتهم وإن استيطان اليهود في فلسطين جعل الصحراء تزدهر في حين أن الفلسطينيين تركوا أرضهم بلا عناية من جراء كسلهم وعدم تمسكهم بها نتيجة طبيعتهم البدوية ، وإن الصهيونية تستحق التأييد من محبي الحرية والديمقراطية في العالم والتركيز على بدعة عداء العرب للسلمية ، كل ذلك يترافق مع إسكات الأصوات الأمريكية المعارضة للسياسة الصهيونية في فلسطين وتهديد الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ومنعهما من اتخاذ أي إجراءات ضد هذا الكيان الإرهابي ، وتزييف طبيعة الصراع العربي الصهيوني ، من خلال تصويره بأنه إرهاب عرب فلسطين للقضاء على اليهود في العالم. بالإضافة إلى وضع الأمريكيين بجو الحرب والتهديد والخطر، وإنهم عرضة للهجوم والاعتداء تحت بدعة العدو الدائم الذي كان سابقاً الشيوعية واستبدل اليوم بالإسلام والعرب!، بحيث يبقى الرأي العام الأميركي مهيئاً بأن الأعداء على الأبواب .. والتركيز في المناهج التعليمية والتربوية على أن العرب والمدنية لا يجتمعان واستبعاد مفردة الوطن العربي في كتب الجغرافية وإلصاق تهم الإرهاب بالعرب والمسلمين وتجاهل وجود الفلسطينيين في أرضهم فلسطين وعدم قدرة العرب على قبول الحداثة والتعايش مع الغير .. وفي سبيل تحقيق ذلك تستخدم كل وسائل الإعلام الأمريكي والذي يسيطر على معظمها اليهود ..‏

تشويه وتلويث عقول الناس في المجتمعات البشرية عامة وفي الوطن العربي خاصة من خلال :‏

– تكريس العنصرية والتمييز الطائفي وإحلال الخرافات والأساطير محل الحقائق وفعالية العقل، وتشويه صورة العرب والمسلمين في الغرب والربط بين الإسلام والإرهاب ، وتسويق فكرة الحروب الحضارية بحجة أن الشعوب لا تستطيع أن تطور نفسها وهي بحاجة للغرب الإمبريالي ليطورها ويدخلها الحضارة والحروب التي تشنها الولايات المتحدة الأمريكية اليوم هي لنشر الحضارة والقضاء على الإرهاب ولتطوير وتمدين ودمقرطة الشعوب، وأن الحضارة مصدرها غربي ، ومن يريد التحضر ما عليه إلا تنفيذ كل ما يقوله السيد الأمريكي ، ونشر بدعة إمكانية تحقيق السلام في المنطقة وإن الكيان الصهيوني يعمل ويرغب في تحقيق السلام وإن واشنطن وسيط نزيه في الصراع العربي الصهيوني، وهي جادة في تحقيق السلام العادل والشامل، وإن عدو العرب ليس الكيان الصهيوني بل إيران .! وغير ذلك الكثير ..‏ وفي الواقع كان للإعلام والدعاية عبر التاريخ دور أساسي في الحروب التي شهدتها البشرية وفي كثير من الأحيان تتحدد نتيجة الحرب بمقدار امتلاك الدعاية والإعلام والنجاح في تأدية الدور المنوط بهما، وفي الحرب الدائرة اليوم بين شعوب العالم والقوى الإمبريالية أصبح الإعلام استمراراً للسياسة بوسائل أخرى ، حتى أضحى عصرنا اليوم هو عصر الدعاية والإعلام، فمنذ ظهرت إلى الوجود الوسائط الرئيسية للاتصالات الجماهيرية ، الصحافة ، الإذاعة والتلفزيون ، والإنترنت ، حققت ثورة الاتصالات قفزة فلكية.. ولقد كان امتزاج الحرب الشاملة بوسائلها هو ما أعطى الدعاية الحديثة للحرب أهميتها وتأثيرها في الوقت الحاضر، وهذا ما تقوم به الإمبريالية الجديدة اليوم وخير مثال على ذلك ما قامت به قبل وبعد احتلالها للعراق والأكاذيب التي سوقتها وسائل إعلامها الموجودة في العالم، سواء على صعيد خداع الأمريكيين أو شعوب العالم عامة ، وكذلك فعلت في حربها ضد أفغانستان ، وتشويه المقاومة العربية والإساءة للثورة الإيرانية ، والكوبية ، وكوريا الشمالية ، ولسورية ، ولكل القوى الخيّرة والمحبة للعدل والسلام ..

– إننا في هذا العصر بحاجة إلى إعلام جديد يكون في خدمة الإنسان والبشرية، وليس إعلاماً تسيطر عليه شركات ومجموعات ضغط وأصحاب أيديولوجيات ومصالح، يعتبرون أنفسهم خبراء وفاتحين ومحررين ، إلى إعلام يصبح أبناء العالم في كل مناطقه شركاء في إنتاج الإعلام وليس مجرد زبائن أو مستهلكين له وأن يتنبه القائمون على صناعة القرار في الدول العربية إلى أهمية الإعلام في المعركة الدائرة اليوم بين الشعوب المحبة للسلام والعدل وبين القوى الإمبريالية للهيمنة والعدوان ، وأن يؤسسوا لوسائل إعلام ملتزمة بقضايا الأمة ومصالح العرب الحقيقية والتي تساهم في التصدي لسموم رياح الإمبريالية الجديدة .