العولمة وتأثيرها على الشباب العرب : بقلم:نبيل فوزات نوفل الكاتب والمحلل السياسي والخبير الاستراتيجي

#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية_نبيل فوزات نوفل

– العولمة هي أعلى مرحلة وصلت إليها الإمبريالية التلمودية اليوم ، وهي أحد أسلحتها للهيمنة والسيطرة ،وتهدف إلى إعطاء الغطاء النظري لاقتصاد السوق ولمجموعة الدول الصناعية وللشركات المتعدية الجنسيات من أجل فتح أسواق العالم أمام الصناعات الغربية بدعوى المنافسة والانفتاح وتشجيع الدول الأقل نمواً على التنمية والدخول في مضمار التسابق نحو الأسواق ، حيث مع بداية التسعينيات وانهيار معظم دول المنظومة الاشتراكية وتربع الولايات المتحدة الأمريكية وحدها على عرش العالم .. درج اصطلاح العولمة والكوكبة ، وهو لا يعدو في هدفه أمركة العالم أجمع في مظاهر الحياة كافةَ ، أمركة في العلوم وأساليبها ولغاتها ، وأمركة في العادات،من الولادة حتى الممات ، في الملبس والمشرب والمآكل , يضاف إلى ذلك الرشوة التي تشكل إلى جانب المضاربة ، والأفكار والانصياع السياسي والتكبل باليون جزءاً لا يتجزأ من معدلات الزيادة في النمو والأرباح في نظام العولمة ، أي ، العولمة تؤدي إلى سيطرة الأقوياء على الضعفاء ، والأغنياء على الفقراء،وباتت الشركات المتعدية الجنسية هي المسيطرة على العالم،فقد أدى نظام العولمة إلى تركز النشاط الاقتصادي في أيدي مجموعة رأسمالية قليلة العدد ، ونتج عن ذلك تهميش بلدان دول الجنوب .

– أما في الجانب الثقافي ، سادت ثقافة ما بعد المكتوب ، ثقافة الصورة ، فالصورة هي اليوم المفتاح السحري للنظام الثقافي الجديد ، إنها المادة الثقافية الأساس التي يجري تسويقها على أوسع نطاق جماهيري ، وهي قادرة على تحطيم الحاجز اللغوي بين البشر، لكي تصل غلى إي إنسان في عقر داره .. ولقد كان للإعلام السمعي  – البصري دوراً كبيراً في انتشار هذه الظاهرة .

والأسئلة التي تتبادر إلى الأذهان ؟

1 – ما هو مضمون ثقافة العولمة هذه ..؟

2 – وما هو اثرها على الشخصية العربية والوجود العربي ..؟

 3 – وما هي أساليبها ومخاطرها ..؟

– يتحول الوعي نتيجة العولمة ، إلى مجال مستباح لكل أنواع الاحتراق ، ويؤدي إلى التفتت في نظام القيم، ويكرس قيم جديد ترفع من قيمة النفعية والأنانية والفردية ، والمنزع المادي – الغرائزي المجرد من أي محتوى إنساني،حيث ستغدق ثقافة العولمة على الجسد ما سيفيض عن حاجته من الاشباع تماماً مثل جدتها العولمة الاقتصادية،غير أنها تستغل الروح،وتذهب بالمحتوى الأخلاقي والإنساني لسلوك الناس،وبالتالي يحصل الانفكاك والتجافي بين الثقافي والاجتماعي،بحيث تتناسل أنواع أخرى في البنى الاجتماعية مما سوف يعرضها إلى تشويه مضاعف .. وترتكز ثقافة العولمة على محورين أساسيين :

أولهما : فصل الأرض عن الدولة، وفصل الإنسان عن الأرض .. ويتجلى ذلك من خلال إنشاء مناطق حرة للصناعة والتجارة ، خالية من أكبر عدد ممكن من أدوات السيادة الوطنية ، أي من أدوات الدولة ، والملفت للنظر أن الكثير من الدول هي التي تقوم بفصل الأرض عنها ! .. حيث تترافق هذه الظاهرة أحياناً كثيرة ببيع الأراضي للأجانب من دون شروط ولا قيود ، وهي أمور خطيرة ، وهذه خطوات لفصل الأرض عن الدولة ، وتكمن مخاطرها أن الدولة تقع بين مطرقتين ، مطرقة تدق من فوقها ، وهي مطرقة العولمة ، وثورة المعلومات والاتصالات بحيث تضعف سيادتها ، وتخترق الحدود وتتعرض الثقافة والاقتصاد والسياسة لغزو منظم أو غير منظم ، ومطرقة تدق من أدنى إلى أعلى وهي : تمرد الأقليات من أجل حقوقها ، والفجوة الاجتماعية والاقتصادية ، المتزايدة بين أغنى الأغنياء وأفقر المحرومين ..

 

– أما فصل الإنسان عن الأرض ، فيتجلى من خلال استهداف الوجود الإنساني ذاته ، حيث يرى أصحاب العولمة،أنه على أمم الأرض ومن بينها أمتنا العربية أن تعيد النظر في ما هو لديها من نماذج ونظريات عمل، وتجري عملية تأهيل لها من جديد، والواقع أن عملية التأهيل مطلوبة في ظل هذه المتغيرات،ولكن ليس كما يريدها أصحاب العولمة .

 

– إن عملية التطوي المطلوبة يجب أن تتضمن خلق جو من الملائمة بين شخصية الأمة وهويتها القومية والروحية،وبين ما هو إيجابي في هذه المتغيرات التي تجري الآن على الساحة الدولية.والواقع أن العرب لا يستطيعون أن يغلقوا الدائرة على أنفسهم بحجة الأصالة والتأصيل لأن الأصالة هي التجدد عبر استلهام التراثي والتاريخي في حياة الأمة والأصالة ليس التمسك الجامد بالماضي من دون فَهم القيمة الحاضرية للماضي نفسه،لأن الماضي حين يكون محنطات يصبح زمناً انتهى دوره التاريخي،لكنه مخزوناً ثقافياً يتجدد .
علينا أن نتمسك بثقافة العرب التراثية والمعاصرة وبقيم كفاحهم الطويل ضد الاستعمار والحرص على السلام الاجتماعي ، والوحدة الوطنية في كل قطر عربي، وحشد الطاقات العربية من أجل تحريرها من مظاهر التخلف والسيطرة ،ومواكبة ثورات العصر( المعلوماتية والاتصالات والإعلام ) ، وخلق شخصية ثقافية عربية تُحسن التعامل مع التطورات المعاصرة .. ومن أهم أهداف العولمة الأمريكية القضاء على الهُوية القومية للشعوب وسحق شخصيتها .

 

– وكما نعلم في عصرنا الراهن ، يعيش البشر في عالم اصطناعي ، تحيط بهم الأشياء التي صنعوها بأنفسهم ولأنفسهم، وأصبحت معظمها تهدد وجودهم، وهذا ما يدعونا نحن العرب،وفي المقدمة الشباب ، إلى الانتباه والتأمل في الحالة الدولية الراهنة ، وما ينتج عنها من إزدهار ثقافي بلون واحد ، هو لون الرأسمالية المتوحشة ، وانفراد أمريكا بالسيطرة على العالم قطباً واحداً ، وطرحها الجاد لأفكار نظامها،وأصبح الانتماء اللاوطني أو غير الوطني،وكذلك الثقافة غير الوطنية وغير القومية هما الهدف الأكبر لإستراتيجية العولمة .

 

– ومن أهم أساليب تحقيق العولمة في وطننا العربي : الخلط بين المقاومة والإرهاب فتحت بدعة محاربة الارهاب تحاول تدمير لمقاومة لكل مشاريع الهيمنة الاستعمارية ، وترصد العقول العربية بهدف اصطيادها ..

 

– أما بالترغيب أو بالقتل والتصفية ، وبث بعض المصطلحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وتقوية الفكر الغيبي التكفيري ، والفكر العدمي ، وتنمية النزعات الانفصالية للأعراق غير العربية ، وبالتالي فالعولمة الأمريكية تعمل بآن واحد على توحيد الطبقات العليا للرأسمالية الاحتكارية في العام لصالح الشركات المتعدية الجنسيات ، وفي نفس الوقت تعمل على تفتيت وتحلل الوحدات الاجتماعية ،وتنمية الانتماءات تحت الوطنية لدى شعوب العالم بغية الوصول لترتيب العالم ثقافياً بفلسفة رأسمالية ، تحقيقاً لمقولة الإبادة بالثقافة،التي طرحه المفكر البريطاني اتوماس بولاي أي قتل الآخر فرداً .. أو .. مجتمعاً .. أو .. أمة بقوله : “.. لا أظن أبداً أننا سنقهر هذا البلد ( الهند ) ، ما لم نكسرعظام عموده الفقري ، لغته، وثقافته ، وتراثه الروحي” .. هذا الواقع يحتم على كل مثقفي الأمة الشرفاء ، الحريصين على سيادة وكرامة وتقدم وتطور أمتهم ، ترصد التوحش القادم من الشمال ، وعلى رأسه العولمة المتوحشة ، وامتلاك الأدوات اللازمة لقتل هذا الوحش الكاسر ، وذلك من خلال دفع الحكومات لتبني استراتيجيات للنهوض بالبحث العلمي والعلوم التقانية ، وتعزيز الانتماء الوطني والقومي والحضاري من خلال الثقافة والتربية التي يجب أن تركز على ثقافة الأمل لدى شبابنا ، لأنها العمود الأساس لثقافة المقاومة ، وتجعلنا نعيش الحاضر وفي عيوننا المستقبل ، وإحياء الذاكرة الوطنية والقومية لدى شبابنا العربي وتذكيرهم بالرموز الوطنية وبحقوقهم المغتصبة ، وبجرائم أعدائهم بحق أجدادهم وأبائهم وأمهاتهم ، والنهوض بالمجتمعات العربية من خلال تحقيق التنمية المستدامة التي تحقق العيش الكريم لأبناء المجتمع ، وتحافظ على حرية وكرامة الإنسان في وطنه ، وتقضي على الفساد وتحقق العدل وسيادة القانون .