#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية
– لم يقل وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس جملة ” أن روسيا ليست بديل للولايات المتحدة فى الشرق الاوسط “ خلال حوار المنامة (ترمومتر الخليج) من فراغ ، بل بعدما أستشعر قيمة القمة الرباعية التى عقدت فى اسطنبول بين قيادات تركيا وروسيا وفرنسا والمانيا ، فى ظل غياب الولايات المتحدة التي مازالت متواجدة بقوة بالميدان السوري عبر عصابات قسد وما ترسم له لدولة شرق الفرات المزعومة ، وعبر قاعدة التنف الحضانة الكبيرة لتدريب وتفريغ الإرهابيين بسورية ، وأيضا غياب إيران الحاضرة بقوة بالميدان السوري حتى وأن كانت روسيا حاضرة بنيابة عنها ، وكذلك غياب أي طرف عربي وللدولة السورية نفسها وهذا ليس مفاجئ ولا جديد فيه، فى قمة اراها جائت لمناقشة التقسيم الامثل لنفوذ كلا من الحاضرين بها فى سورية، لا لبحث تهدئة أو حلول سياسية كما روج فى الصحافة الدولية ( وأتمنى أن أكون مخطئ ) ، فمستضيفة القمة نفسها تحتل أجزاء ليست بالقليلة فى شمال سورية سواء عبر جيشها بشكل مباشر ، أو عبر الجيش الموازي ، أو القوى الانكشارية الجديدة لحزب العدالة والتنمية أن دق التعبير المسمى بالجيش السوري الحر ( إخوان سورية ) ، وفرنسا كانت جميع تحركاتها بسورية مشبوهة سواء عسكرياً فى شمال سوريا، أو سياسياً عبر دعم مسرحيات الكيماوي، وعبر تبني المعارضة السورية التى مثلت الغطاء السياسي لكل تحرك ارهابي مسلح بالميدان ..
وقد يتكرر مشهد القمة الرباعية باسطنبول التي كان يجلس فيها أردوغان بصحبة ضيوفه على كراسي أشبه بكراسي عروش الخلفاء العثمانيون أثناء اللقاءات الثنائية التى كانت تجمع اردوغان بكلا منهم على حدة، ولكن بشكل مختلف لمناقشة مصير دولة عربية أخرى، وهنا نشير إلى مؤتمر باليرمو التي تحضر لها ايطاليا منذ اسابيع بكل قوة كي تدق المسمار الأخير فى نعش اتفاق باريس ، وكي تؤكد حضورها بمستعمراتها القديمة، ومن اليوم الأول قلت ان فشل المؤتمر نفسه مرهون بموقف روسيا ومن مستوى حضور وفدها السياسي بالمؤتمر، فأن كان تمثيل روسيا فى المؤتمر ضعيف فسيموت قبل أن يولد ، والعكس .
ولذلك جائت زيارة رئيس وزراء ايطاليا جوزيبي كونتي لروسيا مؤخراً فى ظل عزمه على كسب تأييد أمريكا وروسيا له فى الملف الليبي ، مقابل لعب دور الوسيط بين روسيا والاتحاد الاوروبي على غرار ما قامت به إيطاليا بين مصر والاتحاد الاوروبي بعد ثورة 30 يونيو 2013 ، والحفاظ على مصالح الولايات المتحدة بليبيا .
ومن الملحوظ أن ايطاليا منذ اليوم الأول كانت تخاطب ود موسكو اكثر من واشنطن للمشاركة فى المؤتمر ولاحتواء موقف روسيا الداعم للمشير خليفة حفتر (عدو إيطاليا الأول والاخير فى ليبيا ) .
فأذا كانت قمة اسطنبول التي يبدو أن مصير سورية لن يحدد إلا منها ، فتسعى إيطاليا لتلعب باليرمو نفس الدور تجاه الملف الليبي ، ويا للمصادفة الغير جيدة فبين كلا من تركيا وإيطاليا علاقات قوية جداً بحكم رؤيتهم المشتركة تجاه ليبيا ، فأيطاليا تريد العودة لحكم مستعمراتها القديمة عبر أناس تابعين لها ، ولنا فى حكومة الفرقاطة المسماه بحكومة الوفاق الوطني بقيادة حامد كرزاي ليبيا فايز السراج ونائبه احمد معيتيق عبرة، فتركيا هي من توفر لايطاليا تلك النوعية من الناس ، وهي من وفرت لروما أناس على شاكلة هولاء كالسويحلي وخالد المشري وهشام بشر وهيثم التاجوري وابراهيم الجضران …الخ ، وفى النهاية كل هولاء يخدمون مصالح المستعمر القديم والخليفة العثماني الجديد معاً .
ولا أخفي عليكم حضور السراج وحفتر معا فى باليرمو لن يضيف شئ كما كان الأمر بباريس، ولكن من سيضيف وسيحدد الامر والمصير هما ضيوف المؤتمر، وما ستقوم به الامريكية ستيفاني ويليامز نائبة المبعوث الأممي غسان سلامة بعد ذلك .
فحتى ملف “توحيد المؤسسة العسكرية الليبية” الذى كان يفترض أن يصل لنتيجة نهائية بالقاهرة الاسبوع الماضي بات ينتظر ما سينتج عن اجتماع أطراف الصراع في باليرمو.
وحقيقة الأمر أن كان ملف ادارة سوريا فى اسطنبول وليبيا فى روما، فباتت كل ملفات إدارة ممالك الخليج بتل أبيب، نعم تلك ليست مبالغة ، الخليج الذى يمر الأن بمرحلة تفكك وسقوط على غرار ممالك الطوائف بالاندلس ، بعد أن دب الصراع بين قطبيها السعودية وقطر جراء الخلاف على من يجلس بالمقعد الأول لادارة الحرب بسورية ، كما ذكر رئيس وزراء قطر الاسبق حمد بن جاسم عندما علق على السر الحقيقي للخلاف بين بلاده والسعودية قائلاً : ” صيدة اتهاوشنا عليها وفلتت “ .
فعلى أثر ذلك التزمت سلطنة عمان الحياد فى الصراع بين قطر من جهة والسعودية والامارات من جهة اخرى، بينما فضلت الكويت الوقوف بعيداً أن لم تكن بجوار قطر فى الكواليس ، خشية من تمدد نفوذ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على ممالك الخليج جمعاء ، وإن يصبح ملك على النفط والغاز معاً ، كي تشهد أروقة وكواليس الخليج صدام حاد بينهم جميعاً ، قبل أن يستعين كل طرف بدولة أجنبية ، بعد أن اتخذت قطر من إيران وتركيا درعا لها ، ومنذ ذلك الوقت والكل كان يبحث عن إسرائيل أولاً قبل أي دولة أخرى، سواء لرغبته فى التواصل مع واشنطن ، أو لتقوية موقعه وموقفه ضد جارته الخليجية الأخرى، أو لاعتماد كل ولي عهد للمرحلة الجديدة كملك ، وإلى ما أخره.
حتى باتت اسرائيل حاضرة فى كل المناسبات ، سواء سياسية أو اقتصادية أو رياضية ، وباتت هي من ترسم كل مشاريع الشرق الاوسط ، ولنا فى مشروع نيوم ، ومشروع السكك الحديدية الرابطة بين دولة الاحتلال والخليج عبرة ..
ومن تلك المشهد يتضح أن حضور ادارة ترامب تراجع فى الشرق الاوسط، وأن كلا من الروس والاسرائيليين أكثر من سعوا لملئء ذلك الفراغ حتى وأن كان نسبياً ، حتى أصبحنا فى يوم واحد نرى نتنياهو ومدير استخباراته فى سلطنة عمان ، فرق ياضية إسرائيلية فى قطر ، دبلوماسيين ومستشارين أمنيين تابعين للموساد فى البحرين ، وزيرة الثقافة والرياضة ميري ريغيف فى أبوظبي ، وزير الاتصالات ايوب قرا فى دبي ، طائرات انقاذ جيش الاحتلال فى الاردن لمساعدة متضرري السيول ، وبأخر الليل من نفس اليوم مقاتلات الاحتلال فى سماء غزة تجعل ليلها نهار .
وفى الوقت الذى يكذب فيه العالم روايات محمد بن سلمان التى تدعى برأئته من مقتل خاشقجي كان الروس دون غيرهم يصرحوا بأن تصريحات بن سلمان صادقة لا تقبل الشك، قبل أن يصرح الناطق بأسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف أن حادثة مقتل الصحفي جمال خاشقجي، لن تؤثر على التحضيرات الجارية لزيارة الرئيس فلاديمير بوتين المقبلة إلى المملكة العربية السعودية .
وبعد ما طرحناه من رؤية شاملة للمشهد بالمنطقة، هل لقرارنا العربي مكان، هل اصلا بات لنا نحن أي مكان او محل للاعراب فى أي مشهد من المحيط للخليج؟! أم نحن رد فعل؟! أم نحن مفعول به؟! ..
فادي عيد
الباحث والمحلل السياسي بشؤون الشرق الاوسط