#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية_باسم زين العابدين
فلمّا نزل بها ، قال : ما يُقال لهذه الأرض ؟
فقالوا : كربلاء !
فقال الإمام : “اللهم إنّي أعوذُ بك من الكرب والبلاء” ، ثم قال لأصحابه : إنزِلوا ، هاهنا مَحَطّ رحالنا ، ومَسفك دمائنا ، وهنا محلّ قبورنا . بهذا حدّثني جدّي رسول الله ) صلى الله عليه وآله وسلم) قال السيّد ابن طاووس في كتاب “الملهوف” (3) :
لمّا نزلوا بكربلاء جلس الإمام الحسين (عليه السلام) يُصلح سيفه ويقول :
يا دهر أف لك من خليل كم لك بالاشراق والأصيل
من طالبٍ وصاحبٍ قتيل والدهر لا ينفع بالبديل
وكل حيّ سالك سبيل ما أقرب الوعد من الرحيل
وإنّما الأمر إلى الجليلِ
فسمعت السيدة زينب بنت فاطمة (عليها السلام) ذلك ، فقالت : يا أخي هذا كلام مَن أيقَن بالقَتل !
فقال : نعم يا أختاه .
فقالت زينب : واثكلاه ! ينعى إليّ الحسين نفسه .
وبكت النِسوة ، ولَطمن الخدود ، وشقَقن الجيوب ، وجعلت أمّ كلثوم تنادي : وامحمّداه ! واعليّاه ! وا أمّاه ! وا فاطمتاه ! واحَسَناه ! واحُسيناه ! واضيعتاه بعدك يا أبا عبد الله … إلى آخره (4).
ورَوى الشيخ المفيد في كتاب (الإرشاد) هذا الخبر بكيفيّة أُخرى وهي :
قال علي بن الحسين زين العابدين (عليهما السلام) :
إنّي جالس في تلك العشيّة التي قُتل أبي في صبيحتها ، وعندي عمّتي زينب تُمرّضني ، إذ اعتزل أبي في خِباء له ، وعنده جوين مولى أبي ذرٍ الغفاري ، وهو يعالج سيفه ويُصلحه ، وأبي يقول :
يا دهـر أفّ لك من خليل مِـن صاحب وطالبٍ قتيل و إنّمـا الأمـر إلى الجلل كم لك بالإشراق والأصيل والدهـر لا يقنـع بالبديل وكلّ حـي سـالكٌ سبيلي
فأعادها مرّتين أو ثلاثاً ، حتّى فهمتُها ، وعَرفت ما أراد ، فخَنَقتني العبرة ، فرددتها ، ولَزِمتُ السكوت ، وعلِمت أنّ البلاء قد نزل .
وأمّا عمتي : فإنّها سَمِعت ما سمعتُ ، وهي إمرأة ، ومن شأنها النساء : الرقّة والجزع ، فلم تِملِك نفسها ، إذ وَثَبت تجرّ ثوبها ، حتى انتهت إليه فقالت
واثكلاه ! ليتَ الموت أعدَمَني الحياة ، اليوم ماتت أُمّي فاطمة ، وأبي علي ، وأخي الحسن ، يا خليفة الماضين وثِمال الباقين !
فنظر إليها الإمام الحسين فقال لها : يا أُخيَّة ! لا يُذهِبنّ حِلمَك الشيطان .
وتَرقرَقَت عيناه بالدموع ، وقال : يا أُختاه ، ” لو تُرك القَطا لغَفا ونامَ”.
فقالت : يا ويلتاه ! أفتغتصب نفسك اغتصاباً ؟ فذاك أقرَحُ لقلبي ، وأشدّ على نفسي ، ثمّ لطمت وجهها ! وأهوَت إلى جيبِها فشقّته ، وخرّت مغشيّاً عليها .
فقام إليها الإمام الحسين (عليه السلام) فَصَبّ على وجهها الماء ، وقال لها : إيهاً يا أُختها ! إتّقي الله ، وتَعزّي بعزاء الله ، واعلمي أنّ أهل الأرض يموتون وأنّ أهل السماء لا يَبقون ، وأنّ كلّ شيء هالِك إلا وجه الله ، الذي خلق الخلق بقُدرته ، ويَبعث الخلق ويعيدهم وهو فردٌ وحده .
جدّي خيرٌ مني ، وأبي خيرٌ منّي ، وأُمّي خيرٌ منّي ، وأخي [الحسن] خيرٌ منّي ، ولي ولكلّ مسلم برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أُسوة .
فعزّاها بهذا ونحوه ، وقال لها : ” يا أُختاه إني أقسمتُ عليكِ ، فأبِرّي قَسَمي ، لا تَشُقّي عَلَيّ جَيباً ، ولا تَخمشي عليّ وجهاً ، ولا تَدعي عليّ بالويل والثُبور إذا أنا هلكتُ”.
ثمّ جاء بها حتّى أجلسها عندي ، وخرج إلى أصحابه (5).
3 ـ الملهوف على قتلى الطفوف : ص 139.
4ـ الملهوف على قتلى الطفوف : ص 139.
5 ـ الإرشاد للشيخ المفيد ، ص 232 . وذكره الطبري ـ المتوفّى عام 310 هـ ـ في تاريخه ج 5 ص 420 .